رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مذكرات ابن الولد الشقى


 


وعندما ظهر نهرو كان منظرى بهذا الحال كفيلاً بأن يلفت نظر الجميع وعلى رأسهم عمكم نهرو». وانتهز السعدنى الموقف فتقدم نحو نهرو وقام برطن بعض الكلمات التى تعلمها ودفع ثمناً لها سيجارة وكوب شاى وساندويتش فول.. لكن تبين أن مفعولها كان عظيماً وهائلاً، فقد سأل نهرو بالهندى عن أحواله وصحته وابتسم الرجل بشدة وقام بالطبطبة على كتفى السعدنى وأمسك بيده وسحبه معه إلى قاعة كبار الزوار.. وهنا أخذ الحكمدار يرمق السعدنى بنظرات كلها تساؤل فمن يكون هذا الشخص العجيب بتلك الملابس الأعجب والذى اقترب من الزعيم الهندى وقرر مصاحبته إلى قاعة كبار الزوار؟! ربما هو شخص عظيم الأهمية.. ولذلك فقد كان الحكمدار دائماً ما يفسح الطريق للسعدنى ليتقدم أولاً وعند قاعة كبار الزوار قام الحكمدار بضرب تعظيم سلام له وهو يدخل القاعة، وهو الأمر الذى لفت انتباه نهرو فظن أن السعدنى أحد كبار المسئولين فى الدولة المصرية، وأنه جاء خصيصاً للترحيب بنهرو الذى صحب الحكمدار والسعدنى وفخر الدين صاحب السيجارة وجلسوا معاً وأخذ نهرو يتحدث عن السياسة والرياضة والتجارة وأشياء أخرى أحياناً بالإنجليزية وفى بعض الأحيان بالهندية.. واستطاع السعدنى أن يفهم مضمون الكلام وحمد الله وشكر فضله لأن كل الظنون، ظنون نهرو، بأنه مسئول رفيع مصرى.. وظنون الحكمدار -بأنه ربما يكون أحد رجال المخابرات فى السفارة الهندية- كلها صبت فى مصلحته.. واتجه السعدنى إلى أقرب مقهى وأمسك بالورقة والقلم وكتب حديث نهرو بتفاصيله بعد أن تأكد من الترجمة عن طريق فخر الدين.. ونشر السعدنى الحديث الذى أحدث ضجة كبرى فى الأوساط السياسية في مصر وفى بعض البلدان الأوروبية وصنع كوارث فى العلاقات مع الهند لدرجة أن نهرو  اضطر فى محطته التالية إلى أن يكذب تماماً أنه التقى بأى صحفى مصرى أثناء إقامته القصيرة في مطار القاهرة. ويضحك الولد الهندى لكن السعدنى يقطع استمتاعه بالحديث فيطلب منه أن يصنع لنا دور شاى ويتجه إلى المطبخ لتنفيذ الأوامر.. وهنا يسأل يسرى ندا السعدنى عن سر وجودى فى الشارقة إلى جانبه خصوصاً أن السنة الدراسية أوشكت على الانتهاء، وأن مصيرى ربما يكون مثل مصير الولد الهندى بتاع الشاى.. فصمت السعدنى وهو يمط شفتيه وهو يقول «أنا نفسى مش عارف حاعمل إيه لا عارف أرجع مصر ولا أروح على العراق وبينى وبينك فى العراق المسائل خطيرة جداً ممكن يعملوا أى حاجة فى أكرم علشان يغيظونى». ويسأله عم يسرى عن سر بقائه فى الشارقة فيقول السعدنى: الشارقة دى إمارة صغيرة فى المساحة لكنها الخالق الناطق حتة من مصر نتوء خرج من الجيزة وأنا هنا باحس براحة نفسية وساعات بأشعر أنى فى الجيزة وسط أهلها.. وبالفعل  كان الشيخ سلطان الذى قصد القاهرة من أجل استكمال تعليمه الجامعى فى كلية الزراعة جامعة القاهرة قد نشأت بينه وبين الأمكنة فى الجيزة علاقة عشق فى هذه الأيام كانت الجيزة تحتفظ بدرجة عالية من الذوق العام الرفيع فى مبانيها وفى التنسيق الحضارى أرصفة تضاهى أرصفة أوروبا وأشجار للزينة تنتشر على الجانبين فى نظام دقيق ورائع فى حركة نظافة مستمرة تضمن لها رونقاً بديعاً وفى حى الدقى اتجه الشيخ سلطان للبحث عن مكان للإقامة حتى استقر على احدى البنايات جوار قسم الدقى، فى هذا المكان صنع الشيخ سلطان صدامات مع أهل الحى الطيب البسطاء والشىء العجيب أن هذه الصداقات لا تزال ممتدة حتى يومنا هذا فكل طلبات الأحياء من أهل الدقى الذين صادفتهم وصادفهم الشيخ سلطان مجابة وعلى العين والرأس، وفى الجامعة نفسها كان عادل إمام وصلاح السعدنى فى مراحل دراسية أكبر.. بينما كان الشيخ سلطان رجلاً فى نفس المدرج للفنان المنتصر بالله ارتبط الشيخ سلطان بهذا الثلاثى الرائع القادم من أحياء شعبية فى قلب الجيزة ومن خلالهم تعرف على شارع سعد وشارع الصناديلى وميدان الجيزة وقهوة سان سوس التى لم يعد لها وجود الآن وقهوة عبدالله التى كانت من معالم الجيزة الشهيرة، لذاكرة الشيخ سلطان أن تحفظ هذه المشاهد كلها وهو يمر بها يومياً من مسكنه الى الجامعة ولذلك فقد نقل هذه الصور التى يتعلق بها أيضاً القلب، لكى تزين قصره فى إمارة الشارقة.. وهو كلما نظر اليها رفع يده بتحية يرددها كل يوم.. سلام الله عليك يا مصر.
وبالفعل كانت الشارقة فيها روح مصر بفضل عشق حاكمها الشيخ سلطان القاسمى لمصر وللمصريين.. فقد اعتدنا الخروج ليلاً والسهر فى المقاهى المنتشرة فى بعض أحياء الإمارة وكان رواد المقاهى أغلبهم من مصر والأغانى التى يسمعونها أغانٍ مصرية والأفلام والمسلسلات المعروضة كلها مصرية وكانت الحوائط تزين بعلم مصر وبصور عبدالناصر رحمه الله ومبارك الله يفك سجنه، وكان أهل الصعيد لهم مكانة سامية لدى أهل الشارقة.. وكان السعدنى يشعر بلذة حقيقية، وهو يواصل السهر وسط هؤلاء المصريين الطيبين البسطاء.. وفوق ذلك فقد ارتبط السعدنى بصداقة قوية مع حاكم الإمارة.. فالشيخ سلطان رجل عروبي شديد الاستقامة بالغ البساطة وكان من عشاق مقالات وسخرية السعدنى، ولذلك فقد رحب دائماً فى بلاده بإقامة السعدنى ومنحه الأمان الذى افتقده كثيراً فى بلاد الآخرين وعرض عليه الإقامة فى الشارقة فى أى وقت يشاء.. وبالفعل كان مجىء السعدنى إلى الشارقة فيه حلول لكل المشاكل، فالإمارة ليست فى حالة عداء مع أحد وليست لها أطماع تضعها فى موقف منافسة مع العراق أو ليبيا أو غيرهما من الدول، كما أنها -أى إمارة الشارقة- وهى نتوء من أرض مصر لن تغضب أحداً فى مصر لو أنها احتوت السعدنى، وكان السعدنى يدرك تماماً أن النظام الجديد فى مصر والعهد الجديد الذى بدأ مع مجىء الرئيس مبارك إلى الحكم يختلف تمام الاختلاف عن نظام الرئيس أنور السادات، وأن ردود الفعل العصبية والفجائية ومطاردة الطيور المهاجرة فى كل بقاع الأرض ليست منهجاً للنظام الجديد.. وعليه قرر السعدنى أن يهدئ اللعب مع الحكام الجدد فاختار هذه الإمارة ذات الطابع المصرى الجميل لتكون محطته الأخيرة للعودة إلى القاهرة مع أن السادات ذهب إلى رحمة الله وحسنى مبارك ليس على عداء مع أحد ولم يرث عداءات الرئيس السادات، إلا أن عودة السعدنى إلى مسقط الرأس تأخرت وبدا أن هناك شيئاً ما وراء هذا التأخير!!
فقد حدث أن اتصل السيد محمد حقى إذا لم تخنى الذاكرة وقال للسعدنى بالحرف الواحد.. خلى بالك يا محمود اوعى تحط رجلك فى طيارة رايحة مصر الا لما صاحبك اللى فى الداخلية يروح.. ونصح محمد حقى السعدنى بأن يؤجل حلم حياته بالعودة الى معشوقته وأرض الصبا والاحلام الى حين.. وهنا عاد الولد الشقى إلى حالة الحيرة والخوف من المجهول وتصور لبعض الوقت ان هناك أجنحة تعمل لحساب السادات لا تزال تمتلك سلطة جبارة رغم رحيل السادات وقد اثبتت الأيام صحة هواجس السعدنى.