رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

منذ سنوات، ذهبت إلى سجن استئناف القاهرة، خلف مديرية الأمن في باب الخلق، مع أحد الزملاء لزيارة قريب له كان مسجوناً في هذا السجن الذي تشعر وأنت داخله أنك سقطت في جب عميق، حيث لا ترى السماء سوى من بعيد وكأنك في منور عمارة من 50 دوراً.. وفوجئت بحالة المسجون البائسة.. فقد كان منهاراً ومنكسراً وذليلاً، ويحاول بصعوبة أن يمنع دموعه من السقوط قبل أن يسقط من طوله وهو قادم إلينا من ممر مظلم وضيق وخانق من شدة الرطوبة في المكان.. وخلفه عسكري يمسكه من كتفه.. يجر قدميه كما لو أنه يجر اذيال الخيبة أو كأنه يحمل صليباً ثقيلا من خطيئة واحدة ارتكبها وهي الزواج.. وعرفت من زميلي أنه مهندس بدرجة مدير في شركة محترمة، ومحكوم عليه بالحبس 6 شهور بجريمة تبديد منقولات الزوجة بعد خلاف مع زوجته وأم اولاده.. وتركناه وهو لا يقوى على رفع عينيه من شدة الحزن والألم والخجل.. فهل هذه عقوبة مناسبة لاسترداد منقولات بيت الزوجية ام أنها طريقة مثالية لتحويل مهندس أو مدرس أو.. أو.. إلى مجرم بعد خروجه من السجن ليحرق المنقولات والبيت والزوجة!

وعموماً الجريمة مكلفة.. وخسائرها كبيرة ويدفعها المواطن من جيبه الخاص، كدافع للضرائب.. ووفقا لإحصائية من السجون عام 2015 يكلف السجين الدولة 2000 جنيه شهرياً، وبعد تحرير سعر الصرف فإن السجين يكلف حاليا من 3 آلاف إلى 3500 جنيه.. فلا الحكومة ولا وزارة الداخلية يدفعون جنيها واحداً من هذه الأموال على مسجون واحد، بل يقبضون مرتباتهم وحوافزهم وارباحهم مقابل أعمالهم في السجون.... والمواطن وحده، الذي يتحمل العبء.. وكأنه ناقص أعباء!

وهي الخلاصة الصافية.. فبعد كل المحاكمات والمحامين والشهود والكلابشات والاكراميات والشاي لفلان وعلبة السجائر لعلان.. وامسك حرامي والحقنا يا شاويش.. تصفصف الجريمة في النهاية على المواطن الذي يدفع ثمن الإنفاق على مساجين، نسبة كبيرة منهم من صغار السن، وأصحاب الجنح والجرائم الأولى مثل الهاكرز وغيرهم، والذين لا يفعلون شيئاً داخل أسوار السجن أو الاصلاحيات سوى الأكل والنوم.. يعني أكل ومرعى وقلة صنعة، وبدلاً من أن يكون لدينا عاطلون خارج السجون فقط يكون لدينا أيضا عاطلون داخلها!

ولا شك أن السجون، في كل دول العالم، هي المكان المناسب لاحتراف كل أنواع الجرائم، وهي المدرسة المتخصصة لتعليم فنون الجريمة على أصولها.. ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإصلاح والتهذيب.. ولذلك توصي كل الدراسات والبحوث الاجتماعية الحديثة، بضرورة إحلال العقوبات البديلة بدلا من العقوبات الانتقامية.. فقد كان هدف العقوبة في البداية إيلام الجاني والانتقام منه، ثم أصبح الهدف التقليل من العقوبات البدينة واستبدالها بالعقوبات سالبة الحرية.. واخيراً سعت الكثير من الدول الى تبديل عقوبة السجن السالبة للحرية، بعقوبات بديلة تحافظ على كرامة الانسان وتحاول اعادته مرة أخرى للمجتمع مواطناً نافعاً وليس رد سجون ومن أصحاب السوابق!

وهناك رجل متخصص وأيده في النار، كما يقولون، ويعرف حجم أعباء ومشكلات ومأسي القضايا التي لا تستحق كل هذه الخسائر الإنسانية والمادية التي ننفقها عليها.. وهو المستشار سامح عبدالحكم، رئيس محكمة الاستئناف، الذي تقدم بمشروع قانون بدائل العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة للقضايا البسيطة، إلى مجلس النواب ولا يتناول حبس الغارمات فقط، ولكن يتناول أيضاً استبدال عقوبة الحبس بالعمل لصالح الدولة، وذلك بالنسبة لأصحاب الجرائم البسيطة.. وذلك بعد دراسة علمية كاملة من كافة الجوانب.. والموضوع كله عند مجلس النواب، الذي يجب أن يسترشد بما سنه الرسول الكريم قبل (1440) سنة، ويتحمل مسئولياتها لأنهاء المآسي في السجون، وايقاف نزيف خسائر الإنفاق على من داخل السجون، بينما نحن في أشد الحاجة للإنفاق على من خارج السجون!