عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كل من يقرأ عن أخلاق المصريين ويعرف تاريخهم العريق يتأكد له أننا الشعب الذى عرف لأول مرة فضائل ضبط النفس وعلى رأسها فضائل العدالة والصدق والصمت وابتدع فجر الضمير الانسانى الذى عبرت عنه أقدم الوثائق الأخلاقية المكتوبة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، ولا يزال كتاب «مخطوط الحكمة» للمفكر المصرى القديم بتاح حوتب هو أول نص إنسانى يكشف عن كل ذلك الإرث الأخلاقى العظيم للشعب المصرى منذ فجر التاريخ. وأعتقد أن معظم بل ربما كل فترات التاريخ المصرى باستثناء فترات حدوث الثورات والاضطرابات السياسية تشهد للمصريين بهدوء النفس وراحة البال والعيش المعتدل الذى يسوده فضيلة الرضا عن المقسوم والتماس السعادة دائماً عبر هذا الرضا الداخلى، وكم عود المصرى نفسه منذ فجر تاريخه على احترام الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم والحفاظ على حقوقهم بل الدفاع عنها وبالذات حينما يكون الأمر متعلقاً بأهله وجيرانه وأصدقائه.

ولا أدرى ماذا حدث للمصريين الآن ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضى؟ وما الأسباب التى أدت إلى كل هذا الكم من العبثية السلوكية والفوضى الأخلاقية وانفلات الأعصاب وخراب الذمم وعدم الخضوع للقانون بل والتباهى بخرقه؟ ما الذى أدى إلى كل هذه الضوضاء وذلك التلوث السمعى والبصرى والبيئى الذى أصبحنا نعيشه ولا نتعجب منه وكأنه قدرنا المحتوم الذى لا فكاك منه؟! لقد أصبح الشارع المصرى ساحة للصراع والصراخ بدلاً من أن يكون ساحة لمتعة مشاركة الآخرين الحياة بكل ما فيها من خيرات وشرور!، ساحة للشتم والسب بدلاً من أن يكون ساحة للمحبة والاحترام المتبادل!، لقد رد البعض ذلك للزحام الذى أصبحت شوارعنا تعانى منه ويوصفون ذلك التردى الأخلاقى بأنه من «أخلاق الزحام»، والحقيقة أن شعوباً ودولاً كثيرة لديها مشكلة الزحام والتكدس السكانى أكثر بكثير من مصر مثل الصين والهند وغيرهما ومع ذلك يسود الهدوء والنظام شوارعهم وتعلو وجوههم ابتسامة الرضا والمحبة للجميع!، ويقول آخرون فى توصيف المشكلة وتحديد أسبابها أنها «أخلاق الفقر»، والحقيقة أن شعوباً ودولاً كثيرة يعانى أهلها الفقر والعوز مثل الصومال وبنجلاديش وغيرهما ومع ذلك لا تجد لديهم مثل ما نراه فى الشارع المصرى من سوء خلق وسب وشتم وعلو الصوت وصراخ أبواق الباعة والسيارات.. إلخ!

إن حقيقة الأمر فى اعتقادى تتلخص فى أن غياب تطبيق القانون بحرفيته وعدم احترامه عندنا هو مربط الفرس، فلأن أحداً لا يحترم قوانين المرور تجد فوضى السيارات وعلو أصوات أبواقها والألفاظ النابية المتبادلة بين سائقيها فضلاً عن الزجاجات والأكياس الفارغة التى تتطاير من نوافذها لتسبب ما لا حصر له من النتائج السيئة بدءاً من تراكم المخلفات فى الشوارع إلى اكتساب أطفالنا القدوة السيئة من أبويهم وذويهم فينشأون على نفس الشاكلة من سوء الخلق وعدم احترام القانون وإهمال النظافة والحفاظ على البيئة!، ولأن أحداً لا يحترم القانون تجد فوضى الاستيلاء على أملاك الدولة والتعدى على حق الناس فى السير على الأرصفة والمرور فى الشارع آمنين! ولأن أحداً لا يحترم القانون تجد التكاتك والشاحنات تملأ الشوارع ويسبب سيرها فى غير الأماكن المخصصة لها ما نشاهده يومياً من مشكلات ومضايقات للمارة وللسكان!

ولأن أحداً لا يحترم القانون لا يمكن للمواطن العادى أن يقضى مصالحه فى أى مصلحة أو هيئة حكومية بدون واسطة أو بدون دفع الإكراميات والرشاوى!، ولأن أحداً لا يحترم القانون تجد مدارسنا خالية من التلاميذ ومراكز الدروس الخصوصية تقوم مقامها فى تلقين التلاميذ الدروس وتدربهم على كيفية النجاح بدون بذل المجهود فى الدرس الحقيقى والتحصيل العلمى السليم! ولأن أحداً لا يحترم القانون تجد رؤساء الأحياء والمدن وحكام الأقاليم لا يجدون أى غضاضة فى غض الطرف عن المخالفين والنصابين طالما أن ذلك لن يصل إلى أسماع المسئولين الأعلى أو يتم بعيداً عن أعين الأجهزة الرقابية!

وببساطة وعلى وجه الإجمال والعموم، فإن عدم احترام القانون وغياب تطبيقه على الجميع وزيراً كان أو خفيراً، عظيماً كان أو حقيراً، وفى كل صغيرة وكبيرة، هو سر أسرار الانهيار الأخلاقى الذى نعانى منه، وقبل كل ذلك وبعده هو سر أسرار تخلفنا!، فالفرق الدقيق والعميق بين الدول والشعوب المتقدمة أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً وبين الدول والشعوب المتخلفة هو: احترام القانون وتطبيقه على الجميع بدون أى استثناء بكل صرامة وحسم!، فهل نعى الدرس وتصبح كل شئون حياتنا تحت رعاية القوانين والحرص على تطبيقها ومعاقبة المخالفين لها فتنصلح حياتنا ونتمتع بالهدوء والسكينة والسعادة بعد طول غياب؟! أتمنى ذلك وعلى كل منا أن يبدأ بنفسه، وعلى المسئولين فى دولتنا الساعية إلى الحداثة والتقدم، الصرامة والحسم فى إنفاذ القانون وتطبيقه على الجميع دون تباطؤ أو تسويف.

[email protected]