رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تأملات

منذ بضع سنوات، توفى صديق لى من أعز الأصدقاء، وبقدر فجيعتى فى رحيله المبكر، بقدر دهشتى من رد فعل أسرته التى هالها الاحتفاء الكبير من قبل أحباء الفقيد من مختلف الشخصيات العامة والخاصة، حتى إنهم راحوا يقولون بوضوح لم نكن نعرف أن أبانا بهذه الأهمية ويحظى بكل هذا الحب.

هكذا حالى وحال الكثير أو الأغلبية من العرب مع قصص «ألف ليلة وليلة».. صحيح أننا قد نكون سمعنا عنها وعشنا بعض حكاياتها سواء مشاهدة أم استماع أم قراءة، غير أنه يبدو أننا لا ندرك أهميتها، أو هكذا بدا لى مع قراءة موسوعة الترجمة العربية لكتاب «ألف ليلة وليلة»، أو «الليالى العربية» الصادر مؤخراً عن المركز القومى للترجمة، والذى يمثل من وجهة نظرى ما يمكن اعتباره نوعاً من إعادة الاعتبار لتلك القصص التى تدرك من مآلها خلودها فى الوعى الإنسانى بمفهومه الشامل دون الاقتصار على مجموعة دون أخرى، بعيدًا عما، يأخذه البعض على قصص ألف ليلة وليلة من أنها تمثل أخحد الأسباب التى ساهمت فى خلق الصورة الخيالية النمطية السلبية عن  الشرق.

من خلال المقدمة المحكمة والرصينة للمترجم السيد إمام يمكنك أن تستوعب جانباً مما أقول والتى تلقى الضوء على مكانة تلك القصص لدى الغربيين حتى إنه يمكن القول إننا ندين لهم فى هذا الشأن. ويكفى هنا أن نذكر أن ألف ليلة وليلة ترجمت إلى مختلف لغات العالم خاصة الأوروبية حيث ترجمت إلى الأنجليزية والألمانية والروسية والهولندية والدانمركية والبولندية والايطالية والفلمنكية والرومانية واليونانية والسويدية والهنجارية.

وإذا كان الهوس بالليالى بدأ مع بدايات القرن الثامن عشر مع قيام أنطوان جالان على ترجمتها إلى الفرنسية عام 1704، فقد أصبحت بمرور الوقت مصدر إلهام للعديد من الفنانين والمفكرين وكتاب المسرح والروائيين والشعراء. يكفى هنا أن نشير إلى ما أورده المترجم من أن شخصاً مثل فولتير صرح بأنه لم يصبح قاصاً إلا بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة أربع عشر مرة وتمنى أن يصاب بفقدان الذاكرة حتى يعيد قراءتها ويستمتع بها مرة أخرى. أما الأديب الكولومبى جابرييل ماركيز فيقر بدينه لليالى قائلاً لولا عثورى مصادفة فى مكتبة جدى على كتاب مهمل أوراقه صفراء تكاد تتمزق من فرط قدمه بعنوان ألف ليلة وليلة ما كان لى أن أصبح أديباً.

ويؤكد هذا المعنى إمبرتو إيكو، حيث يشير إلى أن الروايات الكبرى فى الثقافة الغربية من دون كيشوت إلى الحرب والسلام ومن موبى ديك إلى الدكتور فاوست قد كُتبت بتأثير من ألف ليلة وليلة. وهو هنا يشير إلى التساؤل الذى قد يرد على ذهنك دون أن تجد إجابة له حيث يوضح أن الليالى لم تحتل ما تستحقه من تأثير ملموس فى دائرة التفكير العربى إبداعاً وموروثاً.

ويحاول المترجم تفسير بؤس مصير الليالى فى الفضاء العربى، مشيراً إلى أن شخصاً، مثل المسعودى مثلاً وصفها فى «مروج الذهب» بأنها سمر من النوع الرخيص، وإبن النديم فى «الفهرست» اعتبرها غثاً بارد الحديث. حتى الإمام محمد عبده المستنير اعتبرها من كتب الأكاذيب الصرفة التى لا يجوز بيعها أو النظر فيها. ولهذا ظل نص الليالى مهمشاً ومنبوذاً ومستهجناً بسبب طابعها الغرائبى وإغراقها فى الخيال وما ورد فيها من شطط ومجون. رغم أن بعض الشعر العربى، حسبما يشير المترجم، تضمن ما هو أكثر مجوناً مما ورد فى الليالى. وقد استمر حال الليالى كذلك رغم بعض جهود المثقفين العرب لتعويمها وهى الجهود التى بدأتها سهير القلماوى فى رسالتها للدكتوراه حول ألف ليلة وليلة بتشجيع من طه حسين.

السؤال: ماذا تقدم الموسوعة المترجمة؟ هذا أيضًا ما يجب أن يثير اندهاشك، ويكشف عن حجم الاهتمام بألف ليلة وليلة، فهى تقدم من خلال مجموعة من الكتاب المتخصصين موضوعات تحليلية للأسلوب الأدبى والتقنية السردية فى الليالى العربية وصورة الذكورة فى الليالى العربية، والحياة الاجتماعية والثقافة الشعبية.

 كما يضم الكتاب فى مجلده الثانى مجموعة قضايا بالغة الحيوية، مثل الأصل والشخصيات الرئيسية والطبعات والترجمات ومظاهر التاريخ النص والمعالجات والأعمال المستوحاة، هذا فضلاً عن استعراض الحكايات وثيقة التماثل فى قصص ألف ليلة وليلة، ونماذج الحكايات العالمية التى تتفق ونظام نماذج الحكاية الفلكلورية. هذا فضلاً عن تقديم مجموعة كبيرة من الحكايات المتضمنة فى العديد من المخطوطات والنسخ المطبوعة والترجمات الأوروبية لألف ليلة وليلة. ولعله من هنا وعلى هذه الخلفية تأتى أهمية الترجمة الجديدة لقصص ألف ليلة وليلة التى قد تدفع القارئ العربى للمزيد من الاهتمام بتراثه الأدبى الذى يحظى بتقدير العالم.

[email protected] com