رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

جاء حادث المنيا الأخير ليدفعنى دفعاً إلى الإيمان بأن مُوِّلدات العنف والتوتر لا تزال نشطة فى المنطقة، حيث يمثّل الشرق الأوسط بيئة نشاط لإنتاج وإعادة تدوير العنف، وأنه لا يمكن فهم حلقات العنف فى الشرق الأوسط من دون الأخذ بالاعتبار ما يحدث حولنا فى العالم، فكل شىء يشير إلى أننا سنعيش زمناً طويلاً مع الآلام الشرق أوسطية القاتمة. هذا ما يؤكده الكاتب الفرنسى من أصل تركى حميد بوزرسلان فى كتابه «قراءة فى تاريخ العنف فى الشرق الأوسط»، والذى لفت النظر اليه من خلال سلسلة من الكتب والدراسات على رأسها كتاب «تاريخ تركيا المعاصر».. وللأسف أننا نجد أنفسنا بين الحين والآخر ضحايا موجة أخرى من العنف، من خلال انخراط المعارضة الإسلاموية المسلحة فى صراع لا يرحم مع السلطة، ويبدو أن هذه المعارضة أصبحت كذلك حلبة عنف داخلى. فقد مارست كل خلية - كما حدث من قبل فى الحالة الجزائرية - عنفاً ذاتياً هداماً بالنسبة إلى المعارضة المسلحة بمجملها، على اعتبار أن المجموعات الأخرى التى لا تحمل الأفكار والقيم ذاتها هى مجموعات فاسدة، إن لم تكن خائنة. يتوصل الكاتب إلى استخلاصات محبطة بعض الشىء حول استمرار العنف فى المنطقة، إلا أنه يتفادى إطلاق أحكام متشددة أو متحيّزة، ومشكلته الرئيسة أنه لم يعر العوامل الخارجية للعنف الاهتمام الذى تستحق، ولكنه يترك الباب مفتوحاً أمام قراءة تعددية لتاريخ المنطقة، ويمثّل العنف فيها سمة ملازمة للحياة وأحد أهم أسباب الموت.. وبعيداً عمن سيكون المسئول عن العملية، وما سوف تكتشفه السلطات المصرية من دور لجماعات ودول فى هذا العمل الخسيس، أجد أن العنف فى الشرق الأوسط سمة رئيسة لمناهج تتسم فى إطار سياسات دوجماتية متطرفة، أى أنها تركز على «الأنا» وترفض أو تكفّر «الآخر»، وتعزز الفروق والخلافات وتقيم الجدران فى مواجهة «الآخر». وتتمحور حول  السيطرة وفقاً للمخيال والسرديات الأيديولوجية السلفية، وليس مقتضى الواقع والتاريخ، والأهم أنها تركز على البعد الإعدادى والتوجيهى للحرب التى تخوضها التنظيمات بالمعنيين الرمزى والقيمى من جهة، والعسكرى من جهة أخرى.. وهذا يتطلب منا دراسة ظاهرة  تلك التنظيمات، بقصد التعرف على «سر» أو «أسرار» نشوئها وعوامل قوتها، وخاصة فى الجوانب التربوية والتعليمية والدعوية، بالإضافة إلى الجوانب السياسية والاقتصادية وغيرها، الأمر الذى يقتضى المزيد من الموارد المادية والمعنوية لمواجهة واحدة من أخطر مصادر التهديد للمجتمعات فى المنطقة العربية والشرق الأوسط وصولاً إلى العالم. وللأسف إن العقلية الأصولية والرجعية هى أسوأ ما نلقاه فى مواجهة الأزمات، لذلك يجب بألّا نسمح لهؤلاء الذين يتحكّمون فى الحاضر باستغلال الماضى بطريقة ربما تحوّل المستقبل إلى مكان موحش لا يُرحّب بالبشرية. ومخاطر العيش فى الماضى متمثلة فى اجترار المآسى والشروخ لا سيّما فيما شجر بين الطوائف الدينية، ولغة المستقبل ينبغى أن تسود، وعلينا  أن نعلم بأن الجهل ليس عذراً للتقاعس عن تغيير الواقع المتردي، فالتجربة الإنسانية، غنية بخبرات بناء السلام وفض النزاعات وفق صيغ عقلانية تضمن حقوق الجميع.. وعلينا إدراك أن البيئة المتطرفة هى بيئة مجتمعية متكاملة، ولا تخص طائفة دينية بعينها، لذلك يجب تغيير البنية المجتمعية بصورة كاملة، فلا يوجد فى أية دولة فى العالم تفاوت طبقى شاسع كما هو موجود فى مصر، وإهدار القانون وتفشى الفساد على كافة المستويات، وبسبب كل هذه العوائق المجتمعية، ازداد حضور الخطاب المتطرف، وإذا أرادنا أن نواجه التطرف فعلينا بناء المجتمع من جديد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، فالتطرف يجرى بين أواصر الفقر ويسيطر عليه ويخلق مناخاً خصباً لنموه.. وهو إحدى أهم مُوِّلدات العنف، التى أدت إلى حادث المنيا.