رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

بشائع المشهد تدفعك إلى الحسرة. تناقضات مفهوم العدالة يوجعك، ويستفزك.

يثير قرون استشعار اللأمل فى مجتمعات تنتفض من أجل سيرة فتاة، ولا تنتفض من أجل سياسات سلطوية أكثر عاراً من الدعارة.

مقطع فيديو موجع لشاب سورى يُدعى بشار، وهو يُصوب بندقيته إلى فتاة صغيرة تستند إلى حائط، تصيح مذعورة قبل أن يُطلق دفعات رصاصه نحو جسدها. لا يظهر مصور المقطع، وإنما نسمع صوته وهو يصرخ فى الأخ القاتل آمراً إياه «اغسل عارك»، فيغرس المزيد من رصاصاته فى الجثة المُنسحقة للفتاة.

الواقعة جرت فى مدينة جرابلس السورية على حدود تركيا، والضحية فتاة لم تتجاوز العشرين عاماً تُدعى رشا بسيس، وأياً كان ما فعلته من أمر يخص جسدها، فإن رد فعل الناس والحشود المحيطة بساحة إعدامها، يؤكد تأصل البدوية الذكورية فى مُجتمعاتنا العربية، وانجرار الناس خلف فكرة قهر الأنثى والتضحية بالأنثى والاستقواء عليها.

فى جرابلس بسوريا، مثلما هو الحال فى أسيوط مصر، أو كركوك العراق، أو غيرها من المُدن العربية: الأنثى وحدها هى سبب كل خطيئة «لم نسمع عن حادث إعدام رجل زنى فى بلد ما، وربما يفتخر البعض بذلك علناً».

الأنثى ذات العلاقات غير الشرعية محكوم عليها بالإعدام والازدراء والتحقير، موصومة بالعار، ممنوعة من التوبة. أما الرجل ذو العلاقات النسائية المتعددة فهو رجل محل إعجاب وتقدير واحترام الناس ولا غبار عليه أمام القانون والناس.

جرائم الشرف فى بلادنا تعنى لا شرف. لا عدل. لا رحمة. مَن قال إن مصير المرأة الزانية هو القتل؟.. مَن حكم بُحكم القبيلة وجعله مقدماً على حكم الله؟.. أى عدل فى وأد فتاة مهما فعلت؟.. أى تحضر؟.. كيف يترك الناس مجرمين حقيقيين يعيثون فى الأرض فساداً، ويستقوون على النساء؟

ازدواجية العدالة المجتمعية فى عالمنا تفضح خيبتنا فى ساحات العلوم والفنون والديمقراطية والتحضر.

رُبما لا ينتفض الناس لقتل برىء قهراً أو تزوير إراداتهم فى الانتخاب. ربما لا يغضبون لمشاركة أنظمة حاكمة فى منظومات فساد وتربح أشخاص بأعينهم من سياسات تخص العامة. ربما لا يكترثون كثيراً لحبس مُعارضين وخصوم وخنق آراء وأفكار وحجب معلومات ووجهات نظر. وربما لا يعبأون بفضيحة بقاء الحكام على مقاعدهم حتى القبر، وتحولهم إلى آلهة مُقدسة لا تقبل اختلافاً ولا ترضى انتقاداً.

 رُبما لا يلتفتون لكل ذلك، لكنهم  ينتفضون غضباً وحماساً لغسل شرف. يُشمرون أذرعاً، ويحمًرون عيوناً، ويعطلون مشاعر الرحمة والرقة، ويطلبون ثأرهم فى جسد فتاة ضعيفة وحيدة، لا حول لها ولا قوة.

تلك خيبتنا وكم لدينا من خيبات. يكتب الشاعر الراحل نزار قبانى رحمه الله مُندهشاً: «تُسأل الأنثى إذا تزنى وكم/مجرمٌ دامى الزنى لا يُسألُ/وسريرٌ واحدٌ ضمهما/تسقُط البنتُ ويُحمى الرجلُ».

والله أعلم.

[email protected]