عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

الثقافة السائدة في المجتمعات العربية بلا استثناء هي ثقافة العوز والاحتياج وانتظار الهبات من السماء بلا إيمان ومن السلاطين بلا كرامة.. استفزني للتفكير في هذا الأمر بشكل مباشر مقال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، محرر الشئون الخارجية بـ«النيويورك تايمز»، وأعرف الكتاب الأمريكيين بالشرق الأوسط شعوباً وحكامًا.. ثقافة الفقر التي أشرت إليها تشمل الدول محدودة الموارد والدول الأخرى التي لديها موارد بلا حدود وخاصة دول النفط العربية.. في حالة الدول الفقيرة الموارد فإن الحظ العاثر لشعوبها جعلها في حقبة تاريخية ضحية استعمار ينهب مواردها على قلتها، وفي حقبة تالية متصلة إلى يومنا هذا أصبحت هذه الشعوب ضحية أنظمتها الوطنية التي تتقاتل فيما بينها حيناً ومع معارضيها بالداخل حيناً آخر وذلك منذ ما يقرب من الثمانين عاماً، والناس ومقدراتها هم ضحية هذا الاقتتال والذي هو في ظاهره صراع بين دول ولكن حقيقة ما تحت السطح أنه حرب قبائل وطوائف وعائلات من أجل السلطة المطلقة وليس شيئاً غير ذلك.. الدول الغنية بالموارد النفطية مثلاً سيطرت على شعوبها ثقافة العوز والفقر رغم الغنى الظاهر منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي.. ثقافة مكرمات ولي الأمر واكتناز المال بلا عمل وإنفاقه بلا عقل.. ومن يعطى ويهب الناس ما لا يستحقون وجهته في ذلك الحفاظ على ولاءاتهم للأسرة أو القبيلة أو دولة القبيلة.. هنا أعود إلى مقال توماس فريدمان المعنون بـ«المجانين الفقراء في الشرق الأوسط»، حيث يقول(لم تكن هذه المنطقة في فوضى أكثر مما هي عليه الآن، وأصبح بها المزيد من الناس الذين يقاتلون حول من يملك شجرة زيتون، وكثير من المدن تحولت إلى ركام على يد فصائل متنافسة.. هذه المنطقة، التي كان ينبغي لها أن تكون غنية، جعلت نفسها فقيرة، وتركت الماضي يدفن مستقبلها، بينما أصبحت مناطق أخرى غنية وكان من المفترض لها أن تكون فقيرة لأنها تركت مستقبلها يدفن ماضيها) ..ما قاله توماس فريدمان يلامس الكثير من الحقائق خاصة ما يتعلق بأننا كمجتمعات عربية تركنا الماضي ينهش المستقبل ويدفنه قبل مولده ليظل هو بحروبه وقبليته وعصبياته وخرافاته المسيطر على مقادير الناس.. المؤكد أننا لسنا بالمجتمعات الفقيرة لأن التاريخ الحديث تجاوز قياس الغنى بحجم الموارد.. الصين واليابان وماليزيا وكوريا مثلا هي بلدان فقيرة في مواردها الطبيعية ولكنها رزقت بأعظم مورد في التاريخ وهو الحكم الرشيد الذي استثمر في الإنسان وأعلى من كرامته ليحفزه على التفوق والرقي- وقد كان وتحقق ما يبدو حلمًا بالنسبة لنا ولكنه كان ولايزال تخطيطًا وعلمًا بالنسبة لهم.. الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم غرد في أغسطس الماضي قائلاً «العالم العربي يمر بأزمة إدارة لا أزمة موارد، انظروا إلى الصين واليابان.. أين هم الآن، حتى دون موارد طبيعية، هناك بلدان تمتلك النفط والغاز والمياه والموارد البشرية لكنها تفتقر إلى التنمية، ولا تستطيع حتى توفير الخدمات الأساسية مثل الطرق والكهرباء لشعبها».. في تاريخ الأمم لم تتسيد إمبراطورية ما محيطها أو العالم بفضل ما تملك من فائض الثروة ولكن النفوذ يبدأ وتتسع دوائره بثروة القوة، والقوة في معناها هي خلاصة طاقات البشر وإبداعاتهم التي من ضمنها السلاح نفسه-  حتى وإن بدا إبداعاً خطيراً أو مدمراً- نحن في العالم العربي حكامًا ومحكومين نحسب القوة بحجم الفائض من الثروة ونحسب الضعف بحجم الفائض من الدين.. المسألة ليست مالًا يزيد أو دينًا يتعاظم.. الشعوب العظيمة التي تدير أمورها أنظمة حكم رشيدة حوّلت فوائض المال إلى مشروعات وأفكار واستبدلت فائض المادة بفائض القيمة البشرية.. ولهذا السبب نحن في العالم العربي مرت علينا أكثر من فرصة للتطور واستجلاب القوة من المعرفة وفائض القيمة الإنساني ورأس المال البشري، ولكن لأننا مازلنا نعيش لحظة النشوة بتقسيم غنائم الحرب والغزوات فإن مبررات الحرب والقتال والاختلاف والتنابذ في حياتنا العربية ستظل المشهد الأكثر حضوراً، وأخشى أن يكون المشهد الراهن هو الأخير قبل إسدال الستار على أمة راهنت على مستقبلها بماضيها ففقدت الإثنين معاً.