عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

فى الثامن والعشرين من هذا الشهر، شهر أكتوبر تحل الذكرى الخامسة والأربعين لوفاة عميد الأدب العربى د. طه حسين الذى توفى بعد أن تابع أخبار انتصارات الجيش المصرى على إسرائيل عام 1973 م التى كانت تحتل جزءاً غالياً من أرض مصر الطاهرة التى عشقها هذا المفكر العملاق الذى تحدى كل الصعاب وقهر المستحيل وأثبت على مر الأيام والعصور أن الإنسان المصرى قادر على صنع المعجزات.

لقد أحدث طه حسين فى عصره ثورة فكرية زلزلت الكثير من الثوابت وجعلت مصر تعيش عصراً من التغيير الثورى فى كافة مجالات الحياة الفكرية والأدبية والتعليمية كان السر فيها تحديداً هو المنهج الفلسفى العقلانى الذى استقاه من الفلسفة الفرنسية عموماً ومن رينيه ديكارت على وجه الخصوص.. إنه المنهج الذى طبقه فى دراسته للشعر الجاهلى.. وقد قال فى ذلك صراحة فى مطلع كتابه الذى حمل نفس العنوان «إنى سأسلك فى هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم والفلسفة فيما يتناولون من العلم والفلسفة، أريد أن أصطنع فى الأدب هذا المنهج الفلسفى الذى استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق الأشياء فى أول هذا العصر الحديث».. والقاعدة الأساسية فى هذا المنهج هى «أن يتحرر الباحث عن كل شىء كان يعلمه من قبل، وأن يستقبل موضوع بحثه خالى الذهن مما قيل فيه خلواً تاماً».

إذن لقد اصطنع طه حسين نفس المنهج الديكارتى القائم على الشك الذى من خلاله يقوم المرء بإفراغ الذهن من كل ما علق فيه من معلومات حول أى موضوع للبحث تمهيداً لتلقى الجديد عبر العقل الواعى ذاته لكن دون استناد إلى أى معلومات سابقة.. ثم إتباع القاعدة الأولى من قواعد المنهج الديكارتى وهى «ألا أقبل شيئاً قط على أنه حق ما لم يتبين لى بالبداهة والوضوح أنه كذلك».. إن اتباع طه حسين هذا المنهج وتطبيقه على دراسته الأدبية للأدب الجاهلى هو ما أدى به إلى تلك النتائج التى جعلت المناهضين له ولها، والمناصرين له ولها يقفون عند دراسته هذه طويلاً.. وكم كتبوا حولها ولا يزالون.. إن الثورة هنا ليست فى النتائج المختلفة التى تصدم ما اتفق عليه وتجمدت عنده الدراسات التقليدية، بل هى فى اصطناع هذا المنهج الجديد الذى كلما اتبعته فى أى مجال من مجالات البحث والدراسة أفادك فى الوصول إلى نتائج جديدة وإلى آراء لم يألفها الناس من قبل وهذا هو جوهر الإبداع وأساس التجديد عند طه حسين فى كل ما كتب، إنه لم يكن يرضى بما توصل إليه السابقون ولم يكن يتقبل الآراء السابقة بسهولة، بل كان دائما ما يتلقاها بهذه العقلية النقدية القادرة على الشك فى الثوابت وعدم الرضا بالتقليد ليس رفضاً له، بل لتجاوزه والوصول إلى جوهر الحقيقة الموضوعية حول هذا الموضوع أو ذاك.. وإذا كان التطبيق الواضح لهذا المنهج العقلى فى دراسة الأدب الجاهلى خصوصاً والأدب العربى عموماً قد أدى إلى هذا الزلزال الأدبى بين المتخصصين والدارسين والذى لا  تزال توابعه موجودة حتى اليوم. فإن تطبيق ذلك المنهج فى مجال الثقافة والتعليم قد قاده أيضا فى كتابه شديد الأهمية «مستقبل الثقافة فى مصر»، إلى إحداث نفس الثورة على الصعيدين النظرى والتطبيقى فى مجال الثقافة والتعليم فى مصر، حيث اختلفت ردود الفعل حول هذا الكتاب لدرجة أن اتهمه البعض بأنه يعد نموذجاً للدعوة إلى التغريب فى الفكر العربى المعاصر»، والحقيقة فى نظرى كانت عكس ذلك، فقد نجح طه حسين فى هذا الكتاب فى بيان التميز الذى تتمتع به الشخصية المصرية بانتمائها الأصيل إلى أصلها الفرعونى وحضارة البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا جاءت مطالبته بأن يتم تطوير نظامنا التعليمى العام على غرار التعليم الأوروبى، موضحاً أن ذلك لا يمنع من وجود التعليم الأزهرى الإسلامى مع ضرورة تطويره أيضاً، والطريف أنه بين فى هذا الكتاب أن الحضارة العربية الإسلامية باستنادها على العقل والعلم ودعوة الإسلام إليهما تتوافق فى جوهرها مع الحضارة الغربية الحديثة مما يفتح الطريق إلى إحداث النهضة المنشودة فى العالمين العربى والإسلامى فى الوقت الحاضر.. لقد كان طه حسين فى كل ما أنتج داعياً إلى إعمال العقل وإلى مشاركة العالم المتقدم فى صنع التقدم البشرى فلسنا أقل منهم فى قدرتنا على الإبداع ولا يمنعنا مانع بشرى أو دينى من تحقيق التقدم.. وها نحن بعد كل هذه السنوات التى مرت على وفاته ما زلنا ندعو إلى ما دعا إليه فى أن نتحول من التقليد إلى الإبداع ومن الجمود إلى التحرر ولا سبيل إلى ذلك إلا اتباع ذات المنهج العقلى الفلسفى الذى اتبعه طه حسين، فهل آن أوان ذلك دون أن نتراجع قائلين ببلاهة «بلاش فلسفة» و«ربنا يكفيك شر الفكر»؟!

[email protected]