رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى كتابه حول نظرة العرب لأمريكا -الذى قام صاحب هذه السطور على ترجمته إلى العربية- يشير المؤلف أندرو هاموند إلى مفارقة كراهية المواطن العربى للولايات المتحدة فى الوقت الذى يموت فيه شوقًا إلى زيارتها وإرسال أبنائه إلى التعليم هناك؟ ومن رصده فإن مجموعة مشاعر متناقضة ومتباينة تحكم هذا السلوك يفسر المؤلف هذه الحالة فى النهاية بأنها ترجع إلى الإعجاب العربى بنمط الحياة الأمريكى، وكراهية سياستها.

ومن بين أبرز القيم التى تعجب المواطن العربى وأى مواطن آخر فى الولايات المتحدة الحرية، تلك القيمة التى تحتل أهمية محورية فى حياة البشرية منذ وجودها على الأرض. وإذا كان وصول ترامب إلى الحكم قد قلل من رصيد الولايات المتحدة فى العالم سواء على المستوى الرسمى أم الشعبى، إلا أنه زاد حالة النظام الأمريكى لمعانًا أمام الخارج بفضل قيمه التى يمثلها سواء أمام نفسه أو أمام الآخر.

بعد نحو العام أو أكثر من حكم ترامب فإن التوصيف الأساسى الذى استقر فى يقين العالم بشأنه أنه رئيس شعبوى بامتياز، فج فى أقصى معانى الفجاجة وضوحًا، تاجر شاطر لا تحده أى قيم أو مبادئ فى سبيل اقتناص فرصة الربح من وراء تجارته، رجل صفقات ينتهز أى لحظة يواجه فيها خصمه لحظة ضعف لينال منه ما يريد، فى تعبير مخفف لمعنى الابتزاز أو الاحتلاب! حتى أن البعض، سواء على المستوى الأمريكى أو خارجه، راح يتصور أن ترامب وصل إلى الحكم فى لحظة فاصلة غاب فيها وعى المواطن الأمريكى، حتى ليبدو لنا نحن فى مصر وفق تعبيرنا الدارج، وكأن ترامب سقى هذا المواطن «حاجة أصفرة!!»

الغريب أنه رغم كل ذلك فإن القطاع الأكبر من المواطنين الأمريكيين الذين يرون فى حكم ترامب نموذج لما هو سيئ لا يملكون من أمرهم شيئا وينتظرون بفارغ الصبر انتهاء سنواته الأربع الأولى لكى يطيحوا به من خلال صندوق الانتخابات وليس من خلال شيء آخر، وعندما تتعجب يقال لك.. هذه هى الديمقراطية وعلينا أن نقبل قواعدها مهما كانت، فهى صمام الأمان لعدم شطط الحاكم مهما كانت طبيعته.

تبدو أهمية هذا الجانب الذى يظهر بوضوح فى النظام الأمريكى أكثر من أى نظام آخر- التمتع بصفة الديمقراطية وما يتبعها من حريات–فى العديد من التفاعلات والوقائع التى جرت خلال حكم ترامب، وبدا خلالها مغلول اليدين رغم أنه يتيه أمام العالم بما له من سلطات. كان من أبرز هذه الوقائع تلك المتعلقة بموقف ترامب من قضية خاشقجى، حيث من الواضح أن الرجل حريص على الوقوف إلى جانب المملكة، بغرض الابتزاز ليس إلا، فقد راح فى البداية يبدى تفهمًا لروايتها بشأن مقتل الرجل، غير أنه ما إن كشر بعض أعضاء الكونجرس عن أنيابهم وقدموا رؤية مخالفة، حتى راح يساير اتجاه الريح ويغيّر من موقفه، دون أن يلقى بالا للتغير فى مواقفه، ولِم لا والكونجرس فى يده سلطات يمكن أن تقيده وتزعجه فى إدارته لأمور الحكم، وهو ما يشير إلى ميزة أنه فى الولايات المتحدة، على عكس مناطق أخرى عديدة فى العالم، ليس هناك رئيس توجيهاته إلهية ومكشوف عنه الحجاب يرى ما لا يراه الشعب.

وامتدادًا لهذا الأمر، فإنه فى أمريكا يمكنك أن تقول فى الرئيس ما قاله الغرب فى الرسول محمد، أو حتى ما قاله مالك فى الخمر، دون أن ينالك أذى. إن كاتبًا مثل توماس فريدمان الذى يقف على يمين أى نظام أمريكى فاض به الكيل من تصرفات ترامب فراح يؤكد على أن رئيسه يستحق ما وصفه بـ «جائزة الخزي» دون أن يناله شيء أو يطوله أى عقاب. فى الولايات المتحدة صدرت خلال حكم ترامب سبعة كتب تنال من حكمه حتى أن البعض أشار فى معرض استعراض هذه الكتب إلى أنه قد لا يكون هناك رئيس دولة صدر ضده كل هذا العدد من الكتب سوى ترامب ومنها كتاب بعنوان «المعتوه»، ورغم ذلك لم يحدث شيء لأى من مؤلفى هذه الكتب. تخيل–أو لا تتخيل فذلك أمر واقع بالفعل–أن كتابًا يتضمن ولو كلمة ضد رئيس فى عالمنا العربى، ستقوم الدنيا ولن تقعد والعاقبة غير مأمونة فى كل الأحوال.

هل فهم هاموند السر وراء المفارقة العربية فى النظر لأمريكا.. أظن أنها واضحة وضوح الشمس، إنها المزايا الهائلة التى توفرها الديمقراطية، وقتها لن يفرق كثيرا سوء الأخلاق أو الأوصاف الذى عليه الرئيس.. ترامب أو غيره طبعا.

[email protected]