رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

فرقة « ونس » الغنائية والتي أبصرت النور في عقل وقلب الدكتور طارق عباس المثقف البديع والموسيقى الملهم والكاتب الصحفي الذي يكتب بمشرط جراح هي حلم راود هذا الفنان الخمسيني الذي عرفته ولم ينقطع لنا حبل ود ووصال منذ مطلع الثمانينيات.

 هذا الحلم الجميل ولد ونبت في أرض كادت أن تبور فنيًّا من كل ذوق رفيع ولا تكون إلا حكرًا على الكثير من المنتفعين باسم الفن.. طارق عباس واحد من أمهر عازفي العود في مصر وقدر له أن يحرم من البصر وهو في الرابعة من عمره ولكن بصيرته اتسعت لنور الشمس وكل الكواكب السيارة في ملكوت الله ليتحول هذا المبدع إلى حالة فنية وثقافية رائعة في زمن رخص فيه العقل لصالح الجيب والمعدة.. فرقة « ونس » الغنائية خليط بديع من المواهب الشابة المصرية والأجنبية التي تغني بالعربية.. تلك قصة أخرى من قصص الإبداع عند دكتور طارق عباس الذي يدرس العربية في أحد المراكز المتخصصة بجامعة القاهرة لغير الناطقين بها من الدارسين - آسيويون وأوروبيون ومن جنسيات مختلفة.

 تمرد طارق عباس على نفسه قبل واقعه وواقعنا هو سر ركضه الدائم حتى وهو نائم.. اعتبر الموسيقى اللغة المشتركة بين بني البشر ولهذا فهو يدرس العربية لغير الناطقين بها من خلال الموسيقى والغناء.. حتى دراساته العليا تصرخ بالتمرد والرغبة الجامحة في الاستكشاف والسير وسط حقول ألغام تراثنا العربي.. الماجستير في الأدب القديم ، وعنوان الرسالة « مستويات الصراع في شعر بشار بن برد » عام 2004، ثم الدكتوراه وموضوعها « أثر الثقافة اللغوية في شعر أبي العلاء المعري ».

 أما فرقة « ونس » التي حضرت عرضيها الأول قبل شهور والثاني قبل أيام بمسرح معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس فقد وجدت نفسي غارقًا معها في حالة أعشقها وزمن أتوق إليه ومزاج نادر لو سمحت بتشكله على هذا النحو ضجيج حياتنا وخواؤها.. مزيج من أغاني أجيال الطرب والتطريب وأغانٍ جديدة تطل منها الأفكار والرؤى الإنسانية البديعة. والأجمل أن أستمع بمتعة ودهشة لشباب صينيين وكوريين يغنون بالعربية لمصر وعن مصر.. هذا هو طارق عباس الفنان والإنسان والمثقف والساحر والمتمرد والطائش القابض على ذهب العقل - فما أروع طيشه.

علاقة طارق عباس بالعود علاقة عضوية.. العود عينه ويده وأنامله وقلبه ومشاعره.. يحضن العود ويحنو عليه ويقبله وكم شاهدته في بيته وهو يهم بتلبيس العود في جرابه ووضعه في مكانه المخصص - في هذه اللحظة أرى حالة عشق حقيقية بين روح فنان وآلة موسيقية وكأن العود ليس مجرد قطعة من الخشب المقوس والمزركش، يمتد منها ذراع طويل فوقه أوتار مشدودة - العود يتحول إلى طفل نام أو كاد وحان وقت الحنو عليه وهدهدته ليستقر في أجمل وأدفأ مكان.. ربما لا يكون هذا بالمقال الصحفي بقدر ما هي رسالة تأخرت في كتابتها قرابة الثلاثين عامًا لصديق قدر له أن يحرم من البصر ليرى محبوه بعينيه، ويعزف ويلحن ويكون فرقة ليمنحنا حظ البهجة ويصلح بداخلنا ما أفسده الدهر وأفسدناه.