حكاية وطن
إذا كانت الطماطم مجنونة فالبطاطس هربانة ومع ذلك فأنا وقعت فى غرام الاثنتين. فى مقتبل الحياة كنت أحب أكل الطماطم الطازجة، أقع فى غرام ثمرة الطماطم من أول نظرة، كانت الثمرة تملأ كف اليد ولها عروة صغيرة تشبه فيونكة فى شعر فتاة جميلة، بمجرد ما تلامس يدى ثمرة الطماطم تدوب وتتحول إلى شرائح فى الطبق دون حتى أن أستخدم السكين فى تقطيعها، وأتناول أول شريحة وأهتف أقول الله، وأسأل أمى: هى الطماطم مسكرة كده ليه، هو أنتِ رشيتى لها سكر من ورايا، تقول أمى: طول عمرك لسانك بينقط عسل، روح ربنا يحلى دنيتك، وتجلس أمى إلى جوارى تحكى لى حكاية الطماطم الحلوة المزورعة فى الجبل، تقول: إن هذه الطماطم ذات المسحة الخضراء الخفيفة على جانبها وباقى الثمرة حمراء، هى طماطم مزروعة فى تربة جبلية، وتواصل حديث الغزل حتى أنتهى من التهام آخر شريحة طماطم. تركت القرية، وجئت إلى المدينة أسعى أبحث عن المجد، بتقول ايه: لا المجد وليس أبوالمجد، لأن أبوالمجد باع أرضه وحط ثمنها وديعة فى البنك وبيحصل على عائد يصرف منه، ويقضى وقته على المقهى يشرب شيشة، وياكل لاتيه!! ما هو أبوالمجد وجد أن الزراعة مش جايبة حاجة، مستلزمات الإنتاج، اتجننت مثل سعر الطماطم والبطاطس، وأصبح الفلاح يخسر، والمكسب يذهب إلى التاجر، أو المحتكر، والحكومة بتدور عليه،زي علي ما أمه بتدور على بيته عليه وتنادى فى الشوارع رحت فين يا على.. وسى على ولا هنا.
فى المدينة وجدت طماطم أخرى، غير بتاعة الجبل فى بلدنا، طماطم مزيفة من برة الله.. الله ومن جوة يعلم الله.. من برة حمرة ومن جوة بيضة وقالوا لنا لو وجدت البذور خضراء تبقى مسرطنة، ولون الطماطم أبيض من الداخل وأحمر من الخارج كما هو مطروح فى الأسواق حاليًا تبقى مرشوشة، وحكاية مرشوشة قالها لى مزارع، قلت له قولى يا عم الحاج انتم بتعملوا إيه للطماطم قال: اسمع أنا باشترى جركن كبريت.. وبارشه فى القناية التى تنقل المياه إلى مزرعة الطماطم، وفى الصباح أجنى منها على طول، وبدلا ما تكون الثمرة خضراء قبل الرى بساعات، تبقى حمراء فى الصباح، قلت له يا عم الحاج هذا غش، وقال الرسول من غشنا فليس منا. قال: قول يا باسط وأنا مين أعاد لى حقي؟!
طماطم المدينة محجرة، كأنها كرة كفر، لا يمكن أن تقطعها بالسكين بالطريقة العادية، فلابد أن نغزها الأول، وبعدها تقوم بتقطيعها، وتكتشف أنها مش بتاعة زمان التى وقعت فى هواها فى الريف.
ليست الطماطم مجنونة لأن سعرها متقلب، ولكن بيخوفوا بيها البنى آدمين، فباعة الطماطم كانوا يضايقوا بيها شريهان الفنانة الجميلة الشقية متعها الله بالصحة، وأعادها إلى جمهورها الذى يعشقها، كان الباعة ينادون فى الشارع مجنونة يا قوطة، وشريهان تتعصب لأنها كانت تقوم بدور مريضة عقليًا فى الفيلم.
يا دكتور مصيلحى، بدلا من أن تدينا درس فى استخدام الصلصة بدلاً من الطماطم، شوف محتكرى الطماطم والبطاطس، وهات حقوق المزارعين والمستهلكين، وطبق الدستور الذى ألزم الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والحيوانى بأسعار مناسبة، وتسويق المحاصيل وضمان هامش ربح للفلاح. الفلاح هجر الأرض يا دكتور، والمحتكر، التاجر الكبير يخرج لسانه له.
فين طبق السلطة، والله افتكرت زميلنا محمود نفادى كنا نجلس فى شرفة الصحافة فى مجلس الشعب، واكتشفنا أن مجموعة نواب يجلسون متجاورين، وبالصدقة تبين أن أسماءهم يتكون فيها طبق السلطة، قوطة، بصل، وجرجير، وليمونة، يا ترى يا سيادة النواب الحاليين رأيكم إيه فيما يجرى، لو وصلتهم لحل لجنون الأسعار خبرونا حتى نحافظ على آخر برج فى عقولنا!!