رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

آفة الصحافة

فى مقالتى السابقة «المصريون والغُربة النصف طوعية» طرحت عدة تساؤلات عن متى يُقرر المصرى هجرة أهله، وكيف يتخذ قرار ترك الوطن، للبحث عن الدوافع الحقيقية للهجرة وفيما إذا كانت بإرادة طوعية أم إجبارية، وهل يُحقق المصرى الذى هجر الأهل والوطن أحلامه فى الأرض الجديدة؟

اغتراب المصريين فى الخارج أصبح واقعاً ملموساً وليس ظاهرة مؤقتة، كما تُوجد مؤشرات كثيرة بأن هجرة المصريين لن تتوقف على أقل تقدير خلال النصف قرن القادم، وبالتأكيد لها دوافع وآثار اجتماعية وسياسية وثقافية على مُختلف كيانات داخل المُجتمع المصرى.

واحدة من عناصر الاغتراب المُلفتة للنظر هى هجرة الفلاح المصرى، الذى ارتبط على مر التاريخ ارتباطاً وثيقاً بأرضه، ومعيشته على ضفاف نهر النيل.

وقد شهدت سنوات كثيرة مضت لجوء الفلاح لبيع جزء من أرضه أو ماشيته، حتى إنه فى بعض الحالات يستدين الأموال، ويذهب إلى بلاد مجهولة، ومنهم من يقع ضحية لتُجار البشر، ويشترى وهم الثراء بمالِ يكون ثمن اغتراب لا يُحقق أحلامه وطموحاته، وفى حلات بعينها يكون ثمن حياته غرقاً فى البحر.

أما من ينجح فى مهجره ويستطيع ادخار أموال، يعود للوطن لتعويض ما يكون قد فقده من أرض زراعية مُنتجه «لغذاء المصريين» ليشترى قطعة أرض تم تبويرها عن قصد من أطراف أخرى، ليبنى عليها بيتاً من «الأسمنت» سكناً حديثاً له يفخر بها، وهذه إحدى نتائج تقلص مساحات الأراضى الزراعية فى مصر.

جدير بالذكر أن واقع اغتراب المصريين يُعتبر حديث نسبياً، وهو واقع بديل حيث كانت مصر لسنوات كثيرة أرض جاذبة للأجانب وليست طاردة لأبنائها، حيث شهدت تيارات وموجات لهجرة أجنبية على مر العصور، سواء من أبناء دول جوار جغرافى مُباشر، أو من بلاد قريبة، أو من أخرى فى مناطق بعيدة.

أيضاً يجب توضيح أن واقع اغتراب وهجرة المصريين لم يعُد قاصراً على شرائح اجتماعية محددة، بل أصبح يشمل فئات ومهن وأعمار متنوعة، من الذكور والإناث، من القُرى والحضر فى مُختلف ربوع مصر.

تشير الإحصائيات إلى أن عدد المصريين خارج الوطن بلغ حوالى 10 ملايين نسمة، ويؤكد الواقع أيضاً أن كل فرد مُغترب يعول حوال 4 أفراد بالداخل، إذاً ملف المصريين فى الخارج قوامه حوالى 40 مليون نسمة، حوالى 38% من إجمالى عدد الشعب المصرى البالغ 106 ملايين نسمة.

نخلص إلى أن أهم مراحل ودوافع السفر للخارج تعود إلى عدم الشعور بالذات داخل الوطن والتطلع للثروة، ولا يمكن إغفال تأثير المناخ الاجتماعى، وقُدرات الإدارة السياسية الحاكمة فى مُعالجة ملف الفقر وتوفير الحاجات الضرورية للمعيشة بصفة خاصة.

إذاً الدوافع الأساسية للاغتراب تعود لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، فليس هناك سبب أو دافع أقوى من دافع الصعوبات المعيشية أو المالية التى تضطر الإنسان لهجرة أرضه وفراق أهله، فالأوطان لم تقم لتهجر، ولا يوجد من يترك أوطانه ترفاً، إلا اذا كان مصاباً بهوس السفر والترحال.

وللأسف فإن أغلب المصريين الذين ينجحون فى التسلل لدول أوروبية وغيرها يقومون بأصعب الأعمال وأكثرها تواضعاً، من تنظيف الشوارع والعمل فى المطاعم والمقاهى، وتصل قسوة الأعمال إلى تكسير الأحجار وغيرها، وهى أعمال يأنفون عادة من القيام بها فى الوطن. ويعود السبب لثقافة العيب داخل المُجتمع المصرى. الملف مفتوح وللحديث بقية.

[email protected]