رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

 «ليس هناك ما يدعو للعجب، فما قمت به في ذلك اليوم شيء عادي».. ذلك التصريح «الغريب» الذي لم نعهده في عالمنا العربي، كان للرئيس السوداني الراحل المشير عبدالرحمن سوار الذهب، الذي رحل عن عالمنا قبل أيام، عن عمر ناهز 83 عامًا.

 فقيد الأمتين الإسلامية والعربية ضرب مثلًا فريدًا في الزهد بالمناصب، حين تخلى عن رئاسة السودان طواعية، تاركًا إرثًا خالدًا، مقارنة برؤساء وزعماء عرب، تسببوا ـ ولا يزالون ـ في مقتل وتشريد عشرات الملايين من أبناء شعبهم، بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم.

 يمكننا القول إن قرار عبدالرحمن سوار الذهب بالتخلي عن السلطة «طوعًا»، بكامل «إرادته» و«قواه العقلية»، يمثل حالة فريدة يحتذى بها، ليترك لنا سيرة عطرة يمكن أن تُدَرَّس للأجيال الحالية والقادمة.

 اشتهر المشير سوار الذهب بكونه ضابطًا عسكريًا محترفًا، على قدرٍ عالٍ من الكفاءة، كما عُرِف بتديُّنه الشديد، من دون أن يُعرف له انتماء سياسي لأي فصيل، أو جماعة سياسية، أو طائفة بالسودان.

 جرى إبعاده في السبعينات، دونما أسباب حقيقية، ثم مارس العمل السياسي من خلال رئاسته لحكومة السودان الانتقالية، بعد الإطاحة بحكومة جعفر نميري، وترأس المجلس الانتقالي حتى تسليم السلطة إلى حكومة منتخبة برئاسة الصادق المهدي.

 لعل تجربة عبدالرحمن سوار الذهب في الحكم، وتفضيله الاعتزال على التمسك بالسلطة مثار إشادة من مختلف السياسيين والمثقفين، باعتبارها خطوة نادرة في الثقافة العربية، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 الراحل الكبير المشير سوار الذهب وُصف في بلده بالوفي والأمين، بعدما قرر ـ وهو وزير للدفاع وقائد عام للجيش السوداني ـ أن يسلم السلطة طواعية إلى حكومة مدنية، بعد عام انتقالي أشرف فيه على انتخابات عامة في البلاد، وهو ما جعل العالم مندهشًا من تصرفه، خاصة في المنطقتين العربية والأفريقية.

«الزهد في السلطة».. كانت الصفة الأكثر ارتباطًا بسوار الذهب، حيث تولى زمام الحكم في السودان عندما كان قائدًا للجيش، عقب الإطاحة بجعفر نميري عام 1985 بانتفاضة شعبية، وسلَّمها إلى حكومة منتخبة في 1986.

لم يكن الراحل الكبير إلا أيقونة فريدة، فلم يشبه قادة وزعماء آخرين، ابتلينا بهم.. لا يملكون سوى أسلحة الاستبداد والقمع والقهر والبطش، وحناجر تُدَوِّي فقط أمام وسائل الإعلام بالخطابات العاطفية الفارغة، التي تتضمن اللعب والمتاجرة بآلام وآمال الناس.

من الأقوال المأثورة للراحل المشير سوار الذهب، إن القرار الذي اتخذه عندما كان قائدًا للجيش، بإقصاء السلطة الحاكمة، كان بمثابة انحياز الجيش للشعب، خصوصًا أن «نميري» بات لا يملك شعبية، ولأجل حقن دماء السودانيين.

 هذا القرار الصعب والحكيم منع حدوث انقلاب عسكري من بعض الضباط الصغار المتهورين، كما حدث ويحدث في بلدان عربية وأفريقية، تحكمها ملكيات جمهورية بالوراثة، لفترة رئاسية واحدة مدى الحياة!

لم يطمع سوار الذهب بعد اعتزاله السياسة في أي سلطة أو نفوذ، ليتفرَّغ للعمل التطوعي الإسلامي وخدمة المسلمين، مسخرًا لذلك كل طاقته ومكانته وفكره، ليصبح من أبرز الشخصيات في العالمين الإسلامي والعربي.

إذن، رحل بسلام، المشير عبدالرحمن سوار الذهب، ليخسر العرب والمسلمون واحدًا من أعظم أبنائهم.. وسيتذكر التاريخ دائمًا مواقفه الوطنية والتاريخية الداعمة للارتقاء بالإنسانية والسلام والمحبة.

[email protected]