رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

على هامش زيارته لمحافظة بورسعيد الأسبوع الماضى أدلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بالعديد من التصريحات بخصوص بعض القضايا التى تهم المواطن العادى والتى يمثل الخلاف حولها فى تصورنا جزءا من مشكلة تتعلق بأولويات التنمية فى منظور الحكومة ومدى ملاءمتها لحال مصر وظروفها الاقتصادية الحالية.

وفى هذا الصدد قد لا نكون مغالين إذا أشرنا إلى أنه قد يكون من الصعب الاختلاف بين الجميع على أولوية قضية مثل التعليم وأنها ينبغى أن تحتل مرتبة أولى فى اهتمامات الدولة ومن هنا جاء إعلان الرئيس السيسى أن 2019 هو عام التعليم فى مصر باعتباره الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة.

ولعله من هنا أيضا جاء اهتمام الدكتور مدبولى بالقضية وإشارته خلال الزيارة إلى أن الحكومة تحتاج إلى تشييد 60 ألف فصل دراسى جديد لسد العجز وتقليل الكثافة فى الفصول التعليمية، بتكلفة تبلغ 30 مليار جنيه، حيث إن تكلفة الفصل الواحد تبلغ 500 ألف جنيه.

المشكلة أن الدكتور مدبولى لم يوضح فى تصريحاته ما هى خطة الحكومة للتعامل مع هذه القضية وهل ستمضى قدما لتشييد هذا العدد من الفصول وما هو المدى الزمنى لذلك. غير أنه يبقى من الواضح أيضا أن الجانب المتعلق بالتمويل يبقى هو العائق أمام البدء فى خطة الدولة لتطوير حال التعليم فى مصر، خاصة مع ارتفاع تكلفة هذه العملية كما أشار رئيس الوزراء وتطلبها لأكثر من 30 مليار جنيه مصرى.

غير أن من المفارقات التى لا بد أن تلفت انتباه المواطن العادى الذى يتابع خطة الدولة للتنمية فى كافة المجالات تلك التصريحات التى أدلى بها اللواء أحمد زكى عابدين رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة ونشرت فى اليوم ذاته – الأربعاء 17 اكتوبر بجريدة الأهرام – ويشير فيها إلى أن إجمالى التكلفة للمرحلة الأولى للعاصمة تبلغ 300 مليار جنيه والتى سيتم الانتهاء منها خلال 3 سنوات من الآن.

بمنطق رجل الشارع العادى وليس المخطط العليم ببواطن الأمور وكيف ينفق كل مليم وأين ومتى، فإن السؤال الطبيعى الذى يفرض نفسه أيهما أولى التعليم أم العاصمة الإدارية، فيما قد يطرح آخرون أن التنمية لا بد أن تسير فى مسارات متوازية بما لا يؤثر مسار على آخر بالسلب وهو ما يعنى أن الإنفاق على المشاريع يجب أن يتم بشكل متوازن، وهو ما يعنى بمعنى آخر أن جانبا من المليارات التى قد تنفق على العاصمة الإدارية يمكن توجيهها للتعليم. وبمنطق المواطن البسيط فلعل استقطاع مبلغ 30 مليارا من 300 مليار مثلا قد لا يمثل الشئ الكثير.

بالطبع الأمور على المستوى التنفيذى وعلى أرض الواقع لا تسير على هذا النحو الذى يمكن اعتباره يعكس تفكير أناس بسطاء لا قبل لهم بإدارة القضايا المهمة، غير أن تأمل خطط التنمية العامة فى مصر تشير إلى أن تفكير هؤلاء البسطاء له محل من الإعراب، وقد ينتهى التفكير فى الآمر بشكل به قدر من التدقيق إلى أن هناك ما يمكن وصفه بسوء توزيع للموارد.

وإليك من تصريحات الدكتور مدبولى خلال الزيارة المشار إليها ما يعزز هذه الفرضية، فقد أشار رئيس الوزراء فى تلك التصريحات مثلا إلى أن حجم الإنجازات التى تمت على أرض بورسعيد فى مجال الإسكان خلال 4 سنوات، يساوى أضعاف ما تم إنجازه فى المحافظة عن مدد مشابهة، مشيرًا إلى أن بورسعيد تخطت باقى محافظات مصر فى مجال الإسكان.

تكشف التصريحات وواقع الحال فى مصر عما يمكن وصفه طفرة عمرانية فى مصر، وإذا كان هذا الوصف يقدم الجانب الإيجابى للصورة فإن الجانب السلبى له أن مشاريع الإسكان تكاد تلتهم رؤوس الأموال الخاصة والعامة فى مصر وأن هناك كما يمكن أن نستشف من تصريحات مدبولى المتعلقة بأن بورسعيد فاقت باقى محافظات مصر، أن هناك نوعا من السباق فى تنفيذ هذا النوع من المشروعات.

لقد أصبحت مصر كما قلت فى مقال سابق ورشة بناء كبرى، والحديث عن فقاعة عقارية أصبح على كل لسان، والحديث عن تصدير العقار بما يشير إلى وجود فائض عن الحاجة أصبح خيارا أساسيا. الأمر ذاته ينطبق على مشروعات الطرق التى لا بد أن يشهد لها كل مواطن مصرى وتحقيقها لنقلة كبرى فى حياتنا غير ان الملحوظة ذاتها تنطبق عليها من أنها استحوذت على نسبة كبيرة من الاعتمادات المالية لخطة التنمية.

قد يكون ذلك طبيعيا باعتبار رئيس الوزراء قادما من وزارة الإسكان وما زال على رأسها، فيرى الأمور بالتالى من خلال نظارته وكأنها كلها إسكان، وهو أمر وارد لو تولى رئاسة الوزراء طبيب حيث قد يكون فى مقدمة أولوياته قضايا الصحة.. وهكذا. غير أن منطق الحكم يقتضى منظورا مختلفا يتم من خلاله رؤية قضايا الوطن ككل. صحيح أن الدكتور مدبولى قد يكون مسيّرا فى الكثير من القضايا وليس مخيّرا، غير ان مهارة القبطان تبدو فى إمكانية إدارة دفة السفينة فى السكة التى تقود الجميع إلى بر الأمان.. وتلك هى المعضلة التى نتمنى لو استطاع الدكتور مدبولى النجاح فيها.

[email protected]