رؤى
أصعب ما تصادفه خلال قيامك ببحث ما، عدم توفر المصادر الكافية التى يمكن أن تعتمد عليها، والأصعب من ذلك عدم وجود معاجم لأصول الكلمات وتاريخها وتطورها، حتى عندما يصادف وتعثر على أحد المعاجم باللغة العربية، تكتشف ان مؤلف المعجم يكتب فى الغالب مواد مرسلة بدون مصادر أو مراجع يمكن الرجوع إليها، وهو بالطبع يدفعك للانصراف عنه، لعدم علمية معجمه.
قبل فترة بحثت فى تاريخ مصطلح «الحروب الصليبية»، وكما يقولون: دخت السبع دوخات، رجعت لعشرات المؤلفات الحديثة، كتبت على مدار 50 و40 سنة، كتبها أساتذة كبار وشباب، لكن للأسف لم أنجح فى العثور على مادة أثق فى صحتها وعلميتها.
الثابت تاريخيا ان المؤرخين المسلمين الذين عاصروا الحملات الصليبية على المنطقة، لم يستخدموا كلمة صليبية، وكانوا يستخدمون كلمات: الفرنج، الفرنجة، حملات الفرنجة، ولم تذكر كلمة النصارى، أقصد لم يقم احدهم بتسميتها بحملات النصارى، فقط كما سبق وذكرت أطلقوا عليها «حملات الفرنجة»، ويمكنك الرجوع لبعضهم، مثل: ابن القلانسى (ت 555هـ)، ابن عساكر (ت 571هـ)، اسامة بن منقذ (ت 584هـ)، العماد الأصفهاني (ت 597هـ)، ابن الأثير ( ت 630هـ)، ابن شداد ( ت 632هـ)، ابن العديم(ت 660هـ) ، ابن واصل(ت 697هـ)، أبو الفدا (ت 732هـ)، وابن كثير(ت 774هـ)، القلقشندى (ت 821هـ)، المقريزي(ت 845هـ )، بدر الدين العينى (ت 855هـ)، ابن تغرى بردى، (ت 874هـ ).
المعروف تاريخيا أن مصطلح الحملات الصليبية تم صكه فى الأدبيات الغربية، من هو أول من استخدمه؟، فى اى لغة؟، وفى أى سنة؟، وكيف انتقل المصطلح من كتابه، وبلده، ولغته إلى اللغات الأخرى؟، ومتى أصبح متداولا وشائعا بين الباحثين والعامة؟
فى سنة 1095 ميلادية، وقف البابا «أوربان الثانى» على منصة فى ساحة أمام الكنيسة بمدينة فى كليرمون بجنوب فرنسا، وكانت الساحة مكتظة بالمئات من القسس، والرهبان، والأمراء، والنبلاء، والفرسان، وعامة الناس، هذه الواقعة جرت على وجه التحديد فى شهر فبراير، وعلى ما يظن يوم 28 منه.
البابا أريان فجر من أعلى هذه المنصة قنبلة، هذه القنبلة ألهبت مشاعر الجميع بدون استثناء، أريان ظل يعد لهذه القنبلة، وكيفية صياغتها، وتوقيت تفجيرها، لفترة طويلة قبل يومه هذا، لأنه يعلم جيدا أن تأثير القنبلة والمردود منها يتوقف على طريقة وأسلوب تفجيرها، وفشله فى تفجيرها التفجير المناسب يعنى انتظاره مناسبة أخرى لتفجير القنبلة، ما هى القنبلة؟، وكيف فجرها؟، وما هدف أريان من تفجيرها؟، نقرأه فى المقال القادم.