رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

من بين الجوانب المأساوية فى قضية اختفاء أو تغييب الإعلامى السعودى جمال خاشقجى، والتى يمكن الإشارة إليها فى حدود ما يمكن تناوله من هذه القضية، لاعتبارات عدة لا تخفى على القارئ، تلك المتعلقة بردود الفعل العربية - سواء على المستوى الشعبى او المستوى الإعلامى - والتى كان طابعها العام لمن رصدها هو تغييب العقل، وهى القضية التى ربما تبدو، فى المنظور العام، أكثر أهمية من تغييب خاشقجي.

 فبمجرد أن تم الإعلان عن اختفاء خاشقجى حتى اشتغلت مواقع التواصل الاجتماعى والمواقع الإعلامية الإلكترونية المعادية للسعودية بأن الرجل تم قتله داخل القنصلية فى اسطنبول إثر دخوله إليها، رغم أنه لم يوجد أى مؤشرات على هذا العمل - القتل.. قد يكون الرجل قتل بالفعل لكن التأكيد على ذلك بتلك السرعة إنما يؤكد تهافت وضعف المنطق الذى قامت عليه فرضية هؤلاء، حيث إنه بأى معايير، حتى فى منطق رجال الأمن، فإن الحسم بالقتل أو الموت يجب ألا يتم إلا بعد استنفاد السبل فى التأكيد على ذلك ولو أيامًا على الأقل.

ليس ذلك فقط، بل إن البعض راح يتمادى فى وصف طريقة القتل، وهنا أشار البعض إلى أن الرجل تم تقطيعه، فيما حسم اتجاه آخر الأمر بالتأكيد على خطأ تلك الرؤية والإشارة إلى أنه تم تذويب جثته لإخفاء الجريمة. لم يكتف هؤلاء بذلك، بل راح البعض ممن يؤيد فرضية التقطيع يغوص فى التاريخ ليكشف لنا كيف كان ذلك يتم فى عصور سابقة والبشاعات التى كانت ترتكب فى هذا السياق.

وقد لعبت الجزيرة دورا كبيرا فى نشر هذه الرؤى، حيث امتلأ فضاء الإنترنت عامة واليوتيوب خاصة بقصصها التى كانت غالبة وتوحى بأهوال متعددة تقع تبعاتها على السعودية فى اختفاء خاشقجى، ودخل على خط هذا الموقف الصحفى أسامة فوزى المعارض لدول الخليج والقابع فى أمريكا لأسباب عديدة من خلال موقعه «عرب تايمز»، حيث راح يبث العديد من فرضيات القتل والتعذيب. ومن الغريب هنا أنه كان ينسب تلك الأخبار إلى مصادر سعودية كلها قريبة حسب زعمه من الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي!!

على الجانب المقابل، وبعد أن شعر الطرف الآخر بوطأة الحملة بدأت أخرى مضادة ترد على كل ما قيل، لعب الإعلام المصرى، الذى غاب الأيام الأولى عن القضية، دورًا لا بأس به، وبعد أن كان الملعب خاليا لمروجى فرضية القتل والتقطيع والتعذيب، أصبحت هناك فرضيات أخرى حول دور تركى قطرى فى القضية وهنا أيضا قام منطق هذا الفريق على الأمر ذاته.. تغييب العقل، فبين لحظة وضحاها اكتشفنا أن «خطيبة» خاشجقى ذلك الرجل الذى يكاد أن يقترب من الكبر عتيا، ليست كذلك وإنما هى الإخوانى الدكتور محمد محسوب!!! فى سابقة قد لا تتكرر للضحك على العقول. فيما راحت زوجة خاشقجى وأم اولاده تنفى علمها بوجود خطيبة له، رغم نفيها فى الوقت ذاته لعلمها بأنه غادر أمريكا إلى تركيا، ما يشير إلى أن علاقتها به منقطعة وأن شهادتها لا يعتد بها.

الأكثر من ذلك أن البعض من أنصار هذا الموقف راح يفتش فى تاريخ خاشقجى، محاولا النيل منه على خلفية انتماءاته الفكرية، فيما قد يوحى ضمنا بأن هذه الانتماءات ربما تكون مبررا لقتله واغتياله وهو منطق بائس، بل ويعبر عن عقلية ضيقة تعكس روح الديكتاتوريات العربية فى أكثر نسخها بؤسا!

وفى سياق المغالطات التى تحاول أن تستحوذ على عقل الجماهير الحائرة بين الفريقين أو تغيّبه، ذهب أنصار الفريق الثانى الذى انتفض فى وجه أطروحات القتل والتعذيب، إلى أن خاشقجى ذلك ليس فى النهاية سوى أحد أفراد تنظيم القاعدة، مستعينا فى ذلك بصورة لخاشقجى وهو يحمل سلاح الـ«أر بى جي» فى الثمانينات فى أفغانستان. ومن فرط عدم ذكاء هذا الفريق انه نسى أو تناسى أن وجود خاشقجى وأمثاله فى تلك الفترة فى ذلك المكان إنما كان تعبيرا عن سياسة رسمية لدول المنطقة بالترتيب مع الولايات المتحدة فى سياق الدعوة للجهاد الإسلامى ضد الغزو السوفيتى لأفغانستان، وقد كنت شاهدا على ذلك بنفسى، وهو ما يدين هذه الدول قبل أن يدين الأفراد الذين انساقوا وراء دعاواها! ويكشف بجلاء عن أن القاعدة ليست سوى وليدة سياساتها وأن الأمر لا يعدو سوى أن التنظيم انقلب على من أوجده!

الأيام حبلى بالكثير من المفاجآت فى قضية خاشقجى، ولا شك أنها ستثبت صحة موقف أى من الفريقين بعيدا عن تحديد أيهما الأكثر دقة، غير أن ذلك لا ينفى الفكرة التى أشير إليها فى هذه السطور وهى أننا فى كثير من الأحيان نغيب عقلنا ونتعامل بمشاعرنا.. وتلك هى أزمتنا الكبرى!!

[email protected]