رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لكل مجتمع من المجتمعات ثقافته وخصوصيته، وموروثاته ومعتقداته، سواء أكانت صحيحة فتضيف إليه، أم خاطئة فتنتقص منه، بل حتى لغة الإشارة المتعارف عليها فى حياتنا اليومية، لها دلالات تختلف من شعب لآخر، ومن فئة لأخرى، وليس بالضرورة أن تؤدى نفس المعنى الذى نقصده. وعلى نفس النسق تدور موروثاتنا الثقافية الأخرى، والتى تمتد جذور بعضها فى القدم؛ وهناك ما تم تطويره منها أو سقط من الذاكرة الجمعية أمام سيطرة التقنيات الحديثة، ودخول عناصر ثقافية جديدة إلينا.

ولا شك أن هناك موروثات مغلوطة عن الآخر - وما هو بآخر، فهو أنا وأنا هو- قد تقف حائلاً أمام لُحمة الوطن ووحدة بنيانه؛ لاسيما وأن غياب كل من الثقافة الفاعلة والتعليم الجيد، إضافة إلى ركود العقل عبر أجيال عدة مع انحسار القراءة أفرز حالة من ظلام الرؤى واللافهم للمعانى الحقيقية الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية حول منهجية التعامل مع أهل الكتاب؛ متجاهلين الكثير من القيم والمبادئ السامية المشتركة بين أتباع الديانات السماوية، وهو ما انعكس بدورة على سلوكيات أصحاب العقول المنغلقة ممن هجروا الوسطية وفقدوا القدرة على إعمال العقل والوقوف عند صحيح الكلم من علوم القرآن والسنة.

تناسى هؤلاء أننا مصريون، من رحم واحد ومشيمة واحدة وشريان واحد أمدنا بقوت الحياة. نعم، فرحم مصر هو الذى حوى توءما تغذى من أرضها وشرب من نيلها، فأنجب أخين أحدهما حسن والثانى مرقص؛ وهو نفس الرحم الذى أنجب أختين إحداهما عائشة والثانية مريم.

ذات يوم، منذ ثلاثين عامًا، زرت أستاذى المسيحى الديانة فى منزله، وكنا فى شهر رمضان الكريم وأذن المغرب، فهممت بالانصراف، غير أن حرمه الكريم جاءتنى مسرعة وبصوت حازم قالت: لن تنصرف حتى تفطر. شكرتهما وتعللت بضرورة سرعة الانصراف، لأنه لم يسبق لى أن أكلت طعامًا فى بيت لإخوة مسيحيين، بسبب ثقافة حجبت النور عن أبصارنا، فصارت معتقدات البعض أن طعامهم مشبع بزيت نفاذ أو يحوى لحم خنزير إلخ. وفى أقل من عشر دقائق وجدت خير أصناف الطعام الشهى على المنضدة، وجلست وجلس أستاذى معى ليطمئن أننى تناولت إفطاري...ولم أشعر بحرج أو أن هناك ما حال بينى وبين طعام أهل الكتاب، فصديقى المجند ملاك كان شريكى فى صحن الطعام أثناء خدمتنا العسكرية دون أن يتأذى أى منا من الآخر.

وفى أحد الأيام قابلنى زميل من إياهم، وسألنى مستغربًا: يا أخى أنا مش عارف ازاى نفسك حلوة وبتاكل أكلهم عادى كده؟ ضحكت، وقلت له أنت أستاذ جامعى وعليك أن تكون أكثر تفتحًا، بلاش التفكير بمثل هذه الطريقة! ألم تعاشرهم سنين أثناء إقامتك فى أوروبا وأكلت وشربت معهم فى ذات المكان؟ فلماذا تكيل بمكيالين؟ فبهت الذى سألنى متعجبًا، ولم ينبس ببنت شفة.

وحكى لى أستاذ صديق أنه ذات يوم، وكان مديرًا لأحد المستشفيات الجامعية، جاءته كبيرة الممرضات وقالت له: يا دكتور، جورج النهاردة هو اللى هيطبخ.

فقال لها: وإيه يعنى!

فقالت له: يا دكتور، بأقولك جورج اللى هيطبخ واحنا فى رمضان.

فادعى عدم الفهم، وقال لها: ايه حكاية جورج معاكى النهاردة.

فقالت له: من الآخر، جورج هو اللى هيحضر الفطار، وده مسيحى!

فقال لها بهدوء: هاتى المصحف الشريف. فأحضرته له.

فقال لها افتحى سورة المائدة، واقرئى آية خمسة:

الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ، وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ، وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين.

رفعت الأقلام وجفت الصحف، فلنحسن الظن قولاً وفعلاً، ولنتقى الله فى أنفسنا، لأن المسلم الحق هو من سلم الناس من لسانه ويده.

 

كاتب وأستاذ أكاديمى