رؤى
بسبب كثرة جرائم الفساد، الرشوة والاختلاس، وتسهيل الاستيلاء على المال العام، تساءلت هنا من قبل عن الفساد، ولماذا نفسد؟، اليوم نطرح أكثر من سؤال، الأول: هل الإنسان بطبيعته فاسد محب لسفك الدماء؟، هل عز وجل خلق هذه الصفات (الفساد وسفك الدماء) فى الإنسان؟، هل الفساد وسفك الدماء من الصفات التى قامت عليها البشرية؟.
السؤال الثانى: هل خلق الله الفساد وسفك الدماء قبل خلقه آدم؟، هل الفساد وسفك الدماء أقدم من البشرية؟.
السؤال الثالث هو: كيف عرف الملائكة أن الإنسان سوف يفسد ويسفك الدماء فى الأرض؟ هل سبق وخلق الله عز وجل بشرا قبل بشريتنا هذه فى كواكب أخرى وافسدوا وسفكوا الدماء؟، هل سبق وخلق الله بشرية وأسكنها الأرض وفسدت وسفكت الدماء ثم أفناها وترك الأرض خربة؟.
عندما اخبر الله عز وجل الملائكة بخلق آدم، وجعله خليفة فى الأرض، كان رد فعلهم مدهشا، قالوا له: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" ـ البقرة 30.
هذا السؤال يفهم منه أن الملائكة كانوا يعرفون معنى ووظيفة الفساد وسفك الدماء، وكانوا ايضا لديهم خبرة بأن البشر جبلوا على الفساد وسفك الدماء، ويفهم كذلك أن الله سبق وخلق بشرية قبل بشريتنا هذه ودمرها بسبب الفساد وسفك الدماء.
ما يدعم تفسيرنا هذا هو ربط الملائكة بين خلق الإنسان والفساد وسفك الدماء، وتعقيبهم على الله عز وجل: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".
الملائكة لا تعرف سوى ما تعلموه من الله: "لا علم لنا إلا ما علمتنا" البقرة 32، وقد خلق الله آدم وعلمه الأسماء كلها، هذه المخلوقات عرضها الله عز وجل على الملائكة ولم يعرفوها، فأحضر لهم آدم واختبره أمامهم، وعرف اسماء المخلوقات، كما أنه أنبأ الملائكة بأسمائهم، وهذا التمييز المعرفى هو ما جعل الملائكة يسجدون لآدم بناء على أوامر الله. آدم يعرف أكثر مما يعرفون، الله عز وجل علمه بما لم يتعلموه أو يعرفوه.
رغم هذا الملائكة كانت تتميز فى علمها عن آدم بأنها كانت تعرف معنى ووظيفة وخطورة الفساد، وكذلك معنى ووظيفة وخطورة سفك الدماء، وآدم لم يكن يعلم بهما، أو أنه علم بها ضمن ما علمه الله، ومعرفته بها محدثة.
ويفهم ضمنا أيضا من سياق الآيات أن الله عز وجل قد خلق الفساد وسفك الدماء بعد خلق الملائكة، وربما قبل خلقها، ويجب أن تميز بين علمه عز وجل بالأشياء وبين خلقه لها، علمه بالأشياء قديم، وخلقه له حديث.
فى كل الأحوال الفساد وسفك الدماء أقدم فى الخلق من البشرية، والفساد هى أول الأخطاء التى وقع فيها آدم، خالف أوامر الله، واستمع للشيطان، وأكل من شجرة التفاح، وبعد هبوطه إلى الأرض دشن ابنه جريمة سفك الدماء.