عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لعلها كانت هى المرة الأولى التى أجلس فيها أمام شاشة التليفزيون مدة ساعتين كاملتين، لمتابعة كافة نشرات الأخبار العربية والدولية، والتقارير الاخبارية التى تتضمنها، وتعليقات المراسلين والمحللين السياسيين والأمنيين والعسكريين والنفسيين من كل انحاء العالم، وخبراء الكوارث الطبيعية والبشرية، فى العالم العربى وخارجه. وما إن أنهيت متابعتى حتى تلبستنى حالة الصول فرحات فى قصة يوسف إدريس الشهيرة  «جمهورية فرحات» برغبة عارمة فى كتابة قصة سينمائية بعنوان: «اللهو الخفى»، لكن الخوف من المقارنة، مع قصة الفيلم الذى كتبه «فرحات» قمعت تلبسى، وأعادتنى ليس فقط إلى رشدى، لكن أيضا إلى قراءة قصته من جديد.

والصول فرحات بطل قصة «جمهورية فرحات» يعمل فى أحد أقسام الشرطة بحى شعبى، ولأن الليلة هى ليلة عيد الفطر، فهو يقوم بعمل الضابط النوبتجى الذى ظل طوال عمره يحلم بأن يحل محله. وهو لا يتوقف اثناء قيامه بعمله عن التبرم  من كتابة المحاضر لشكاوى المواطنين، والتأفف من نوعيتها، والاشمئزاز من أبطالها: من سرقة المساكن والدجاج والملابس والتجارة فى الممنوعات، إلى نشل حافظة نقود، ومن  هتك عرض فى الطريق العام، إلى البلاغات الكيدية بين الجيران، والضراير. يسجل  الصول فرحات محضرا وراء آخر، ساخرا من نفسه وهو يقول «أنا والنبى المجنى عليه»، طالبا من الشاكين الانتظار لحين عرض المحاضر على مأمور القسم.

لاحظ الصول فرحات وهو فى غمرة العمل والتبرم منه، أن رجلا  كان يجلس  على  مقعد بجوار  مكتبه، يتابع ما يجرى باهتمام بالغ، لكنه لا يعرف سبب جلوسه  فى الحجرة، ولعله ظن أن يكون  واحدا من أقرباء مأمور القسم، فقرر أن يوجه حديثه إليه من باب المسامرة من جهة، ولتمضية الليلة التى أجهده العمل المتواصل بها، من ناحية أخرى. فواصل الحديث عن عمله  المرهق فى تسجيل تلال من الشكاوى التى تنطوى على مشاكل لا يستطيع أن يحلها، وعن الأخلاق التى فسدت، وعن احوال البلد التى لا تسر. وأثناء حكاياته وسرد شكواه، أخذ  فى كتابة محضر لعاهرة أحضرها للقسم شرطى وجدها فى الطريق العام، وحين سألها عن مهنتها أجابت أنها تعمل  فى السينما. وما إن سمع اجابتها حتى ألقى بالقلم من يده، وطلب إلى الفتاة أن تنضم للانتظار مع بقية الشاكين، ووجه حديثه إلى الرجل، وأنزل جام عضبه على السينما وأفلامها التافهة، وأردف أنه من فرط ضيقه بتلك الأفلام، أقدم على تأليف  فيلم بنفسه. ويروى الفيلم الذى ألفه الصول فرحات قصة شاب مصرى عمل فى خدمة مهراجا هندى كان يزور مصر، وعندما قرر المهراجا العودة إلى الهند، حاول أن يهدى الشاب مالا وفيرا  نظير إخلاصه فى العمل، لكن الشاب رفض، فقرر المهرجا بعد عوته لبلده أن يشترى مائة ورقة لوترية للشاب فتكسب احداها أموالا طائلة، يرسلها باسم الشاب إلى مصر  الذى يصبح ثريا من عائدها ويقرر الشاب ان ينفق ثروته فى إصلاح أحوال بلده بإقامة مصانع  ومزارع  مصنعة ومساكن نظيفة ومشروعات كبيرة فى شتى المجالات لتصبح البلد خالية من  القهر والفقر والجهل والمرض  والظلم، يعيش فيها الناس أصحاء، سعداء متساوين كأسنان المشط، لتستحق أن يطلق إدريس على فيلم الصول «جمهورية فرحات».

وفى غمرة روايته للرجل بقية أحداث فيلمه، تقدم شرطى من خارج الغرفة من الرجل  واصطحبه من مكانه ليذهب للضابط الذى سيجرى معه التحقيق، وآنئذ تبين للصول فرحات أن الرجل مسجون سياسى أجلسه الحارس بجوار فرحات اثناء استغراقه فى تدوين المحاضر البوليسية، انتظارا لوصول الضابط المحقق. فصوب فرحات نظره فى اتجاه الرجل بغضب قائلا له: هو أنت منهم؟

وواصل فرحات بحسرة تدوينه للشكاوى، التى لم تكن من بينها شكوى من المصير المجهول للحالمين مثله بعدل ميزان الكون.!