عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

«لم أجده فى بيتى.. من أقرب الناس إلىّ، فبحثت عنه خارج أسرتى، ولكنه لم يكن حبا بريئا ولا احتراما ولا احتواء كما تمنيته، كان انتهاكا.. استغلالا لظمئى للحنان، وتدميرا لقلبى الباحث عن الحب» مضمون كلمات قالتها تحمل معانى أكبر من سنوات عمرها العشرين، وجهها الرقيق يحمل بقايا ملامح طفل بائس رغم الأصباغ التى امتزجت كوجه المهرج مع سيلان دمعها، كانت تبكى بصوت مرتفع على المقعد الخشبى فى باحة المول الشهير، ملابسها توشى بأنها إحدى العاملات فى أحد المطاعم أو الكافتيرات بالمول، كان صوت بكائها مستنجداً.. وكأنها تنادى علىّ، أو على أى إنسان ليحتضن رأسها الصغير ويمسح دمعها شعرها المفرود بأصابع كوافير ماهر، ويستمع لحكايتها، أى حكاية سواء كانت صادقة أو مجرد واحدة من حكايا اعتادت أن روايتها لتتسول بها عطف تحتاجه.

وبديهى استجبت لاستغاثة بكائها، ورغم عدم قناعتى بالسبب الذى ذكرته، وهو أن مشاجرة دبت بينها وبين «حبيبها» -بالطبع ليس خطيبها ولن يكون فى تصورى- وأنه هدد بهجرها للأبد، كانت تريد أن تحكى، وكنت أريد أن أسمع رحمة بها لأفرغ أسباب دمعها حتى لو كانت الأسباب مفتعلة وتخفى وراءها ما هو أقوى وأبشع، حكت عن أمها التى تركتها وهى طفلة وتزوجت بآخر ولم تعد تراها، وأبيها المتزوج من أخرى وتعيش معهما حياة كئيبة لا حب فيها ولا اهتمام، وقد حولتها زوجة أبيها إلى خادمة لأخويها من والدها، وأجبرتها أن تعمل فى سن مبكرة لتنفق على نفسها، وكيف تعرضت للانتهاك الجسدى والنفسى منذ سنوات من أصحاب العمل، ولم تجد أماً تنصحها وتقومها، ولا أباً يحميها كجدار صلب من عواصف الحياة وذئاب البشر، وأن حبيبها هذا زميل لها فى الكافتيريا التى تعمل بها هو كل دنياها، الحب.. الحنان والاحتضان و.. و..، لكنه لم يطرح يوما كلمة زواج أمامها، وها هو يهددها بالرحيل عن حياتها.

ماذا أقول لكِ بنيتى، أقول إنك ضحية أم غير مسئولة، وأب أنانى، وزوجة أب انتزعت الرحمة من قلبها رغم كونها أماً، فحولتك إلى «سندريلا» الخادمة، وضحية ومجتمع لا يرحم استغل احتياجك للحب والدفء الأسرى، هل فكر كل أب وأم دبت بينهما خلافات ما، أن الوحيد الذى سيدفع ثمن الخلافات والافتراق والطلاق والعناد والفجر فى الخصومة هم الأولاد الذين لا ذنب لهم فى الحياة سوى مجيئهم بين شخصين غير مسئولين، الأنانية وحدها محركهم.

للأسف صار الزواج فى مجتمعنا، غالبا، مجرد وسيلة لتهرب الفتاة من لقب «عانس»، ويدخلها الشاب غالبا مدفوعا برغبة أسرته خوفا عليه من مواصلة «الصياعة»، دون أن يعرف شيئا عن أبعاد الزواج أو مسئولياته، فهل تدربت البنت جيداً على أن تكون زوجة حقيقية مسئولة عن بيتها ومملكتها، تديرها بالحب والعطاء و«تضلل» على زوجها وتكون سعادتها من سعادته، ولا يكون كل همها «المادة»، وهل تم تدريب الشاب على العطاء الحقيقى، وعلى القوامة، أن تكون هذه «الانثى» مسئوليته التى يحبها.. يحتويها.. يساندها يساعدها وليست خادمته ولا جاريته.

 هل تحسن الأسر تربية البنات والأولاد ليكونوا محترمين فى علاقاتهم، متدينين، يتقون الله فى سلوكهم وتعاملاتهم، لو فعلت الأسر هذا لأعدت أزواج وزوجات صالحين.. صابرين، آباء وأمهات حريصين على بيوتهم لا ساعين إلى هدمها وخرابها عند أول عقبة أو مشكلة، الكارثة أن الأسر باتت تربى الأبناء على الأنانية دون التضحية، على الأخذ دون العطاء، على التفكير فى النفس دون الآخرين، فكان النتاج أزواجاً وزوجات فاشلين، ومعدلات طلاق جنونية، وضحايا بالملايين من الأطفال، نحن نقدم أجيالاً للضياع، بنيتى أنت ضحية زوجين لم يتربيا، وأرى طريقك والذئاب حولك.. تمنحك حب الوحوش للفريسة.. وكم أتمنى لو تخيب ظنونى.. وللحديث بقية.

[email protected]