رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

يقول الفيلسوف الألمانى –الملحد– لودفيج فويرباخ فى كتابه «جوهر الدين»: إن كل كتاباتى تهدف إلى دراسة الدين واللاهوت وما يتصل بهما. ورغم أنه كان ملحداً مخلصاً فى إلحاده كما يصفه البعض، إلا أنه كان يرى أن الدين ما زال قائماً باعتباره وظيفة أبدية للروح الإنسانى. ورغم انتقاداته الحادة للدين، إلا أن نقاد فكره يرون أنه من خلال كتابه «جوهر المسيحية» لم يكن يهدف إلى تحطيم المسيحية، بل العمل على تحقيقها وإكمالها لدرجة اعتبار البعض أن مذهبه كان ترجمة عقلانية واضحة للدين المسيحى من اللغة الميتة للأشباح إلى لغة إنسانية على حد وصف هؤلاء لفكره.

على هذه الخلفية يمكن لنا أن نؤكد محورية دور الدين فى حياة البشر، على النحو الذى عبر عنه عنوان، وليس المضمون، مقالة أخيرة لوزير الأوقاف محمد مختار جمعة نشرت فى جريدة الأخبار 14 سبتمبر الماضى تحت عنوان «حاجة الإنسانية إلى الدين»، وهو دور يؤكد عليه حتى خصوم الدين والذين بلغوا الشطط فى الإلحاد.

على هذه الخلفية أيضاً يمكنك أن تشعر بتهافت تلك الصرخة فى فضائنا الإعلامى حول انتشار الإلحاد بين شبابنا بغض النظر عن دوافع تلك الصرخة. إن نظرة لواقعنا تشير إلى أن الخوف من الإلحاد على نحو ما راح البعض يحذرنا منه ليست فى محلها، صحيح أن هناك قدراً من الخلل فى فهم الدين وفى الشكل الاجتماعى لممارسته، إلا أن ذلك لا يعنى أن الدين غير متخلل فى ثنايا عقولنا وتفكيرنا سواء بوعى أو بدون وعى. وأنه بدلاً من النواح على الانتشار المزعوم للإلحاد، يجب العمل على البحث عن الطرق السليمة لممارسة الدين بالشكل السليم الذى يمكنه من أن يلعب أكثر الأدوار إيجابية فى حياتنا.

إن الدين، كما يشير المتخصصون فى دراساته، ظاهرة صاحبت الإنسان منذ نشأته على ظهر الأرض فى جميع العصور وفى شتى أنحاء الأرض. وحسب هؤلاء فإنه منذ فجر التاريخ تميز الإنسان بالتدين وقد كان الدين الذى تعبد به أولاً حسياً مثل عبادة كل مصدر خير حتى يجلبه ويستزيد منه وكل مصدر للشر حتى يسترضيه ويتقى شره.

وقد عبرت عن ذلك الكاتبة كارين أرمسترونج بشكل رائع من خلال كتابها الذى عنونته بـ«الله لماذا؟» وصدر عن دار سطور، واستعرضت خلاله مسيرة البشرية مع الإيمان سواء بوجود إله أو فى الاعتقاد بأديان مختلفة يقدرها البعض بنحو عشرات الآلاف من الأديان، وهو أمر يشير إلى بداهة فكرة التدين لدى الإنسان، بعيداً عن تقييم أبعاد حرص البشر على الاعتقاد فى الدين.

ومن أفضل ما قرأت فى هذا الصدد تلك العبارة التى قدمها البعض فى معرض تأكيده على حيوية الدين قوله: إن الدين يقدم الأجوبة الأقوى والأقدم والأكثر تشبعاً بالاعتقاد عن سؤال معنى الوجود ولهذا السبب لا يمكنه إلا أن يثير اهتمام الفلسفة فى بحثها عن الحكمة. ويمثل الإله بما هو الموضوع الأسمى لجل الديانات أحد أفضل الأجوبة عن السؤال الفلسفى الذى يتوخى معرفة لماذا هناك وجود ولم يكن هناك عدم.

ولعل ذلك يفسر لنا ما ذهب إليه كتاب «الدين فى عالمنا»، الذى أشرف على تحريره جاك دريدا، لماذا لم تتمكن الأنظمة المعادية للدين جهراً ولا الممارسات العلمانية الملازمة للرأسمالية ولا النزعات العلموية من دفع الدين إلى التقهقر أو إلى الانحباس فى ظلمة النسيان أنه ما فتئ، بتعبير أحدهم، يقفز إلى الأمام ويعود بقوة إلى ساحة المجاورات المهجورة. ومن خطل الحداثة أنها اعتقدت أن الدين قد يختفى غير أن أملها قد خاب، فهو ما زال يشكل أحد الأبعاد الحيوية للوجود الإنسانى.

ولعل نظرة على مسار الإيمان بالدين على مدار التاريخ تكشف لنا عن سطوته، حتى إنه يحق لنا هنا أن نتعجب عندما نعلم أن فيلسوفاً عمل على قيادة البشرية نحو ما تصوره من انعتاق من أسر الدين هو اسبينوزا راح يشير إلى أن من بين دوافعه لتأليف كتابه «رسالة فى اللاهوت والسياسة» هو رأى العامة فيه إذ لا يكفون عن اتهامه بالإلحاد وأنه مضطر أن يصحح ما أمكنه ذلك هذا الخطأ الصادر فى حقه!!. ليس ذلك فقط بل إن الناس احترزوا من استخدام تعبير ملحد حتى إن مصلحاً اجتماعياً إنجليزياً هو جورج هولبوك (1817 – 1906) حرص على أن يصف نفسه بأنه علمانى لأنه رأى أن الإلحاد يوحى بالانحلال الأخلاقى.

وفى معرض هذا الحديث حول حيوية الدين لعل شهادة أينتشاين تبدو حيوية، حيث يؤكد على أن الشعور الدينى الكونى هو الحافز الأقوى الأنبل للبحث العلمى، مضيفاً أن العلم بدون الدين أعرج، وأن الدين بدون علم أعمى. ولعل ما سبق يعزز فكرة أن قضية الإلحاد والإيمان لا يجب استعمالها بتلك الخفة، وأنها ربما فى ظل إساءة استخدامها قد تصبح بمثابة سلاح يمكن أن يرتد فى وجه صاحبه!

[email protected]