رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

ليتها قتلتنى.. ليتها كتمت أنفاسى وأنا ما زلت فى لحظات حياتى الأولى، قبل أن أنطلق إلى سجنكم المقيت عسانى رحلت عن عالمكم السطحى الذى لا يرى من البشر إلا القشور، لكنها تركتنى لأقتل بأعينكم وألسنتكم، فأعيش ميتة كالجثة، تطاردنى همهماتكم.. حتى كرهت نفسى.. كرهت أمى.. أختى.. كل عالمكم، كم فكرت فى الانتحار، ولكن خوفى من الله منعنى.. لأنى مؤمنة أن الحياة منحة الله فكيف أفرط فيها كفرا، وكلما ازدادت قسوة العالم على اقتربت من الله أكثر، لا أعاتبه أو أعترض على خلقه، فله فى خلقه شأن، ولكن بسبب خلقتى عانيت القهر والظلم، وحرمت من الحياة كأى طفلة طبيعة ثم كأى فتاة وشابة وزوجة طبيعية.

أنا البطة السوداء.. أنا لا أهذى، فقد ولدت ببشرة داكنة تفتقر للجمال، كنت أعجوبة الأسرة، أبى وأمى أبيضان، شقيقى الأكبر كذلك، وأختى الصغيرة رائعة الجمال، وكأنها سلبت منى حظى، وهكذا حملت لقب «البت السودة» منذ وعيت، من كل من حولى سواء بقصد أو دعابة، تأتى الجدة أو الأقارب لزيارتنا، يحملون حلوى وهدايا، وأسمعهم: ده للقمر، وده للبت السودة..

تنبهت مبكراً أنى تلك السودة، فكرهت النظر للمرآة، وبكيت كثيرا وحدى، ورغم ما عوضنى به الله من ذكاء وخفة روح افتقدتهما أختى الجميلة، لم يشفع لى هذا لأفوز ببعض من حب أسرتى، اكتفت أختى بشهادة متوسطة اعتمادا على تهافت العرسان الأثرىاء عليها لجمالها، وتمسكت أنا بالجامعة، طموحا لذكائى وتنفيذا لتوجيهات أمى عسى أن تكون شهادتى ووظيفتى جواز مرورى للزواج.

نعم أسرتى.. مجتمعى دمرونى بجدارة، كانت أختى تفوز بكل شىء ومطالبها مجابة، حتى أخطاؤها.. كثيرا ما كانت أمى تعاقبنى على أخطاء ارتكبتها أختى، بزعم أن وجهها الجميل لا يعرف الكذب أما أنا «السوداء» فشيطانة، تكذب وتغير، هكذا رسخوا فكرتهم الظالمة عنى، فى المدرسة، كانوا يجلسونى بآخر صف، والجميلات الأقل ذكاء وعلما فى الصفوف الأولى، فى مسابقات أوائل الطلبة.. فى كل الأنشطة المدرسية تم استبعادى بسبب شكلى.

 كم تمنيت أن أكون فتاة أخرى، ولو للحظات لأعيش مشاعر بنت جميلة محبوبة، عندما يحضر أقاربنا أحد العرسان، كانت أمى تخبئ شقيقتى حتى لا يراها العريس وأهله، ويعرضونى أنا فقط، فيهرب العرسان، وبديهى تزوجت أختى قبلى من شاب وسيم ثرى، وأذاقته الأمرين بدلالها الزائد وعدم تحملها للمسئولية، فضج منها بمر الشكوى وأفصح لأسرتى عن رغبته فى تطليقها، وردد أمامهم: ليتها مثل أختها طيبة وتقدر المسئولية، وكان دورى لأنقذ بيت أختى وأقف بجانبها لتضبط حياتها، فإذا بها تتهمنى بمحاولة اختطاف زوجها وتدمير حياتها وبأنى أغار منها.

وكان علىّ أن أقبل الزواج بهذا الذى يكبرنى بخمسة عشر عاما، بدين، يفتقد لأى وسامة، أرمل ولديه طفل عمره عامان، وكان زواجى استكمالا لرحلة تعقيدى، همزات ولمزات أقاربه حول شكلى كانت تصلنى فتزيد تدميرى، ورغم جهدى لإسعاده وخدمته هو وطفله، كانت عيناه زائغتين على كل امرأة وفتاة يراها، وكأنه ينعى حظه معى، ويبدو أنه لم يجد سواى لتتزوجه بكل ظروفه وشكله، رغم هذا لم يقنع هو بى.

وكانت الطامة الكبرى حين أنجبت طفلة، ولمزيد من اختبار ربى لى، جاءت طفلتى بملامحى ولونى.. ومنذ مولدها، استنكرها والدها، وبدأ يعاملها بعنصرية غريبة ويفرق بينها وبين ابنه وكأنها ليست ابنته، نفس المعاملة التى عانيت منها وأنا طفلة، وقررت أن أنجو بابنتى منه وأطلب الطلاق، لأحميها من أول رجل فى حياتها يمكن أن يعقدها ويدمرها نفسيا.

 سيدتى الكاتبة.. دمرنى كل من حولى بسبب قشرتى «جلدى» وملامحى التى لا دخل لى فيها، تجاهلوا أخلاقى الطيبة وتدينى وعطائى وحبى لكل من حولى، وها هى ابنتى قد تسير على نفس دربى المظلم بين مجتمع عنصرى.. يتشدق بالتدين والعدل، وهو لا يهمه إلا القشور والمظاهر، لماذا لا ينظر الرجال والمجتمع إلى جوهر الفتاة ودينها وخلقها، ألم يقل ديننا: فاظفر بذات الدين.. وللحديث بقية.

[email protected]