رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

ستة أشهر فقط  باتت تفصلنا عن بلوغ ثورة 1919 فى مارس من العام القادم، عامها المائة. وتلك  مناسبة وطنية هامة تستدعى الاحتفاء بها، وإزالة الغبار عن وقائعها وأحداثها، وإنصافها هى وقادتها من التشويه الذى لحق بها وبهم، وكان سببا فى نشأة أجيال من المصريين لايعرفون شيئا عن تاريخ بلدهم. وإستند ذلك  التجاهل  إلى رؤية عجزت عن أن تقرأ التاريخ وتفسره بمنهج لا يخضع للمؤثرات السياسية  والدعائية الآنية، ولا يرى فى الثورات المصرية الحديثة والمعاصرة، أنها تستكمل أهداف بعضها، وأنها حلقات متصلة لمراحل الثورة الوطنية الديمقراطية فى مصر .فلم تكن ثورة 1919 سوى استكمال للثورة العرابية، ولم تكن ثورة 23 يوليو سوى استكمال لأهداف الثورتين  معا.

قدمت ثورة 1919 خبرات نضالية غير مسبوقة فى تاريخ الشعب المصرى  فى مواجهة سلطات الاحتلال البريطانى، وكانت حركة جمع التوكيلات للوفد المصرى التى بدأت فى 13 نوفمبر عام 191، للمطالبة بعودة الزعيم سعد زغلول وزملائه من المنفى ، والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس، واحدة من تلك الخبرات الهامة ،والتى انتهت برضوخ سلطة الاحتلال للمطالب بالغاء القيود المفروضة على سفر المصريين إلى الخارج.

وضعت ثورة 19 شعار « مصر للمصريين» موضع التطبيق ، ونجحت فى بلورة هذا الشعار فى الغاء الحماية البريطانية، وافشلت  مقاطعة الشعب المصرى الحادة والحاسمة للجنة ملنر الشهيرة مناورات سلطة الاحتلال  وقرأنا فى كتب التاريخ أن فلاحين أميين تعلموا كلمة انجليزية واحدة أشهورها فى وجه مندوبى اللجنة وهى «سبيك وذ سعد باشا «، واجبرتها  تلك المقاطعة على الاعتراف بدولة مصر ملكية مستقلة فى تصريح  فبرار28 عام 1922 الذى حدد شكل العلاقة بين الطرفين. وفى غضون عام واحد أصدرت سلطة الثورة دستور 1923، الذى رسخ التعددية الحزبية والحياة البرلمانية ذات القدرة على مراقبة الحكومات ومساءلتها ،وإسقاطها إن لزم الأمر. كما أوصد الباب امام الفتن الطائفية التى يشعلها الاستعمار وأعوانه بشعار الثورة الفريد، الذى يكاد يفلت من بين أيدينا الآن «الدين لله والوطن للجميع».

لا يستطيع منصف أن ينكر المكاسب الوطنية والاجتماعية التى تحققت على أيدى حكومات الوفد المتعاقبة ،ففى ظلها تقررت مجانية التعليم ، وتم مضاعفة الضريبة على الأطيان، وأصدر وزيرها فؤاد سراج الدين أول قانون للشرطة، منطويا على مزايا  لم تكن موجودة لأفرادها  من قبل . وفى مواجهة الامتيازات الاجنبية نشطت الرأسمالية المحلية لبدء نهضة صناعية وطنية تجلت فى انشاء الشركات والبنوك، واستديوهات السينما ،وهوما انعكس على نهضة موازية فى مجال الفنون والآداب وحريات الرأى والتعبير سواء فى الصحافة أو فى مجال فنون  الغناء والموسيقى  والسينما والمسرح وغيرها. وفى السياسة الخارجية منعت مصر إسرائيل من المرور فى قناة السويس،واتخذت موقف الحياد فى الحرب الكورية ،والغت معاهدة 1936.

ولأن  مرور مائة عام على هذه الثورة العظيمة التى أرست مبادئ الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة فى مصر، حدث لا ينبغى أن يقتصر الاحتفال به على حزب الوفد ،بل يجب أن يكون احتفالا قوميا تشارك فيه مؤسسات الدولة ووزارتها وكل الأحزاب والنقابات  ومنظمات المجتمع المدنى، بإعادة نشر وثائق الثورة، والكشف عما لم ينشر منها، وإعادة طبع الكتب التى صدرت عن زعمائها، وتناولت أحداثها، وتكشف عن الثورة التى أحدثتها فى مجالات الادب والفن والموسيقى  والغناء والمسرح .

الاحتفال القومى بهذه المناسبة، هو احياء للذاكرة الوطنية، و درس هام لمن يسألون عن الهوية المصرية، وقبل هذا وذاك ، فرصة لتصحيح المناهج التعليمية والدراسية التى اختزلت التاريخ المصرى وشوهته، ليس فقط لانصاف من ظلمتهم السياسة، ولكن للتعلم والاستفادة من تجارب الوطن التاريخية ،لكى نتجنب عثرات الماضى، ونبنى فوق ميراثه الثمين.