رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

مر العام الدراسى على خير ونجحنا فى جميع الامتحانات ما عدا مادة الفيزياء، فقد كانت بالغة الصعوبة، ويبدو أن القيادة العراقية أرادت من خلال هذه المادة أن تعد كوادر لمفاعلها النووى الذى ستدمره إسرائيل بعد ذلك، فقد كنا ندرس فى مادة الفيزياء موضوعات عندما زارتنا ابنة خالتى بعد ذلك فى بغداد المهندسة نهلة صبرى مبدى أقسمت إن المادة نفسها التى ندرسها هى فى كلية الهندسة ليست بتلك القسوة وهذه الصعوبة.. وكان إياد بن ميشيل عفلق قد علم بأننى طلعت بملحق فى مادة الفيزياء فوجدته يميل على حارسه الخاص أبوشنبات تشبه قرون الجاموس الوحشى وبعدها انطلق الرجل الوحشى وغاب عشر دقائق ثم عاد ومعه كراسة شديدة الاناقة ناولنى إياها إياد واكتشفت انها كراسته الخاصة بمادة الفيزياء كانت كتابته أيضًا أشد اناقة وتنظيمًا وكانت خير دليل لشخصى الضعيف لمذاكرة المادة، وبالفعل أخذتها معى وأنا ذاهب لأقضى الصيف فى لندن، بينما اتجه إياد إلى العاصمة السويسرية واستعان الولد الشقى بشاب مصرى يدرس الفيزياء، فى إحدى الجامعات الشهيرة فى لندن لكى يدرس لى الفيزياء واكتشفت أننى أمام عالم بمعنى الكلمة فقد كان فاهمًا فى المادة بشكل مثير للدهشة وصارحته بأنه لو توجه إلى العراق فإنه بالتأكيد سيصبح إحدى العلامات البارزة فى دنيا التدريس، ولكن الشاب إياه لم يكن كثير الكلام واكتفى بأن درس لى المادة من الجلدة للجلدة، وكنت أتلقى الدرس فى مقر مجلة «23 يوليو» فى حى «إيرلسكورت» فى إحدى ضواحى لندن، وكنت أشارك فى كتابة أخبار الفن مع الزملاء عاصم حنفى وجمال إسماعيل ومنى غباشى، وبالطبع لم أكن زميلًا لهم فى تلك الأيام ولكنهم كانوا من زمرة الذين دخلوا فى دائرة صداقاتى وكان عاصم حنفى أقربهم جميعًا إلى قلب ددنى فقد رأى فيه شبابه المبكر، وكان عاصم يكتب فى الاقتصاد والسياسة وأحيانًا فى الفن، ولكن السعدنى بعد أن خبره قال له: إنت يا ابنى ممكن تبقى أحسن كاتب ساخر فى جيلك، سيبك من الكلام المجعلص بتاع السياسة والاقتصاد والتقارير والأرقام وهرش المخ ده واكتب زى ما بتتكلم.. وبالفعل دخل عاصم عالم السخرية من خلال الولد الشقى، كان خير ونيس وجليس للولد الشقى ولى أيضًا.. فقد كانت ليالى لندن كئيبة فى بعض الأحيان بفضل الجو الماطر والثلوج وتوقف المواصلات وعدم قدرة الناس على زيارة بعضهم بعضًا.. وفى إحدى هذه الليالى كان السعدنى قد استيقظ من النوم الساعة التاسعة مساء وطلب منى أن أجهز المواد الأولية لعمل الطاجن، وبالفعل أحضرت له ما أمر به ووجدته يطلب مزيدًا من اللحمة فأبديت استنكارى من استخدامه كل هذا الكم من اللحوم بينما الذين سيلتهمون الطاجن فردان فقط لا غير هو.. وأنا!!.. ولم يعلق السعدنى ولكنه واصل بحماس منقطع النظير عمل الطاجن وطلب منى أن أضعه على نار هادئة، ثم بدأ يمسك بسماعة التليفون واتصل بالعم أمين غفارى وكان يعمل مع السعدنى فى الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى وجاء إلى لندن بعد أن خرج من السجن بعدة سنوات ولا ىيزال مقيمًا بها حتى يومنا هذا، وقد تحول إلى احدى علاماتها المضيئة لدرجة أن الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين عندما أنس إلى ثقافة وفكر وأمانة وإخلاص ووفاء أمين غفارى قرر أن يمضى فى العاصمة البريطانية أغلب السنوات التى قضاها وهو يعيش حالة غضب صامت من الرئيس السادات مستأنسًا بصحبة وعلم واطلاع العم أمين.. ومن ضمن الذين اتصل بهم السعدنى رسام الكاريكاتير سعيد الفرماوى وفاروق بندق الذى عمل بعد ذلك مديرًا لتوزيع الأهرام فى لندن، كانوا جميعًا يملكون سيارات ولذلك كان الجو ودرجة البرودة لا تؤثر على تنقلاتهم، ولكن عندما اتصل السعدنى بعاصم حنفى.. تردد الأخير فى تلبية الدعوة، ولكن السعدنى شخط فيه شخطة عنترية ارتعب لها قلبى، وبالطبع كان لها نفس الأثر فى قلب عاصم، وختم السعدنى كلامه لعاصم قائلًا: فيه حاجة خطيرة عاوز أقولك عليها.. تعالى فورًا اركب مينى كاب أو تاكسى وأنا ح أحاسبه وتعالى فى خلال نص ساعة.. إنت فاهم!!.. وقبل أن تمضى نصف الساعة كان هناك أمين غفارى والفرماوى وفاروق بندق وصحفى مصرى عمل بالإمارات وساعده السعدنى كثيرًا ولكنه لا يستحق أن نذكر اسمه.. وأخيرًا جاء عاصم حنفى وهو مبلول كأنه نجا من مركب غرق فى أعماق الميحط.. وعندما نظر اليه السعدنى قال: انت جاى مشي يا ابن المجنونة؟!.. وضحك الجميع ما عدا عاصم ولكنه تمتم ببعض الكلمات ولكن السعدنى قاطعه وقال: اقلع هدومك وخدلك جلابية البسها من الدولاب. وبالفعل غير عاصم ملابسه وجاء ليجلس فى مواجهة السعدنى الذى بدأ الكلمة عن المجلة والسادات والأنظمة العربية التى رفضت ان تساعد المجلة أو تساندها فى حين وقف رجل من الخليج لا يدعى بطولة ولا يستخدم اللغة الحنجورية ولكنه عربى أصيل يعشق مصر ويعترف بدورها وأثرها ولولا هذا الرجل لما خرجت«23 يوليو» للنور.. هذا الرجل كان هو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة الذي تعلم في مصر في جامعة القاهرة ودرس في الزراعة مع عادل إمام وسعيد صالح وعشق الجيزة وحواريها وناسها وتعلق بها كما لو كانت هي كعبة الدنيا وأصل الحياة.. وفى تلك اللحظة جاء العم نور السيد الذى شارك السعدنى إصدار المجلة.. وعندما دخل قال السعدنى أهو عمك نور «السيئ» وصل، فهكذا كان يناديه السعدنى، ولكن الحيرة ظلت تحتل كل مساحة وجه عاصم فقال له مالك ياواد يا عاصم؟!.. فأجابه عاصم: يا عم محمود انت جيبتنى على ملا وشى علشان فيه حاجة خطيرة ح تقوللى عليها وأنا دوخت على ماجيت.. وهنا استكمل السعدنى حديثه وهو يبشر الحضور بطاجن ما حصلش فى تاريخ البشرية، ولكن عاصم أبدى استياءه من هذا الأمر وهو يقول: انت جايبنى علشان ناكل طاجن لحمة يا عم محمود هو ده الأمر الخطير بالذمة ده كلام يا جماعة!!.. وهنا اعترض السعدنى السيل الجارف على لسان عاصم هو يقول: الله انت دلوقتى بتتبطر على اللحمة لا سى يا عاصم.. ثم نظر إلى الموجودين وهو يقول.. أول مرة الواد عاصم ييجى لى البيت ماكانش يعرف حاجة اسمها اللحمة وتوليت أنا تقديمهم لبعض وقلت لعاصم.. دى اللحمة وقلت للحمة ده عاصم حنفى أفندى.. فضحك الجميع فى حين كان عاصم يتميز غيظًا.. وعاد ليسأله: إيه صحيح الحاجة الخطيرة دى يا عم محمود.. هنا نظر السعدنى حوله بتفحص عيون الحضور والجدية تبدو على محياه ثم مد يده وأخرج من جيب جلبابه ولاعة بلاستيك وهو ينظر إلى عاصم قال: شوف البتاعة دى بتولع إزاى!!.. وهنا قال عاصم: هى دى الحاجة الخطيرة يا عم محمود!.. فهز السعدنى، رأسه وهو يقول وهو فيه حاجة خطيرة ومهمة دلوقتى يا ابن المجنونة والساعة دى.. وبالطبع أدرك الجميع أن السعدنى كان يريد كعادته أن يجمع حوله أكبر قدر من البشر وعلى رأسهم عاصم حنفى الذى اكتشف السعدنى أن داخله موجة فى الكتابة الساخرة والحكى المهم ان الطاجن عندما نضج انقض عليه الجميع وبالطبع كان مقصدهم الأول هو قطع الهبر من اللحوم لدرجة ان عاصم لم يجد شيئًا يأكله فنظر إلى السعدنى وهو يقول: حلو قوى طاجن البطاطس ده يا عم محمود! وأضاف.. عم محمود صحيح عرفنى على اللحمة ولكن أنا ماذقتهاش عنده لحد دلوقتى.. المسألة وقفت عند عملية المعرفة!!

وبعد أن انفض المولد قال السعدنى لعاصم: خليك بايت معانا.. وحرص السعدنى على أن يبلغ عاصم بزيارة صحفى مصرى شهير «ع» على علاقة حسنة بالنظام.. نظام السادات.. وأجهزة الدولة، وأن الرجل سيزور السعدنى فى مقر المجلة وانه لا يريد أن يرى عاصم هناك حتى لا يناله أى أذى.. وساعتها أدرك عاصم ان السعدنى كان بالفعل يريده لأمر مهم.. وبالفعل غاب عاصم عن المجلة فى اليوم التالى وصحبنى منذ الصباح الباكر فى جولة فى شوارع لندن.. وكنت أظن أن كل الصحفيين ينامون على كيفهم ويستيقظون أيضًا على الكيف، ويمضون النهار فى عمل أى شىء.. ويقضون الليل فى السهر والكتابة، ولكن عاصم بدد هذه الفكرة عندما استيقظ فى الصباح الباكر وخرجنا فى جو مشمس شديد الحرارة وهذا هو حال عاصمة الضباب، حيث الجو ينقلب بين لحظة وأخرى لدرجة تشعرك ان الطقس هناك مجنون بالفعل لدرجة تقلبه من النقيض إلى النقيض.. وذهبنا لنتناول وجبة الافطار واختار عاصم احد مطاعم البيتزا الشهيرة وقال لى انه عازمنى على الأكل.. وأكلنا وشربنا وانبسطنا، وعندما حل موعد الدفع وجدت عاصم يتقمص شخصية النابلسى وهو يحاول جاهدًا ان يحفظ وقاره وفى هذا الوقت يصارحنى بأنه لا يحمل ولا «بنس واحد» وأن على شخصى الضعيف أن أدفع الفاتورة.. وقمنا من المطعم ودخلنا بارًا ثم خرجنا لنتسكع فى الهايبر بارك ثم قمنا بالاتصال بالسعدنى هاتفيًا لنسأل ان كان فى مقدورنا ان نذهب عاصم وأنا إلى المجلة.. فرد علينا بأسماء وهمية وقال: أهلًا أبوجاسم لا والله انا مش فاضى.. دلوقتى عندى ضيوف ثم أغلق السماعة!!.. وهكذا عدنا للتسكع من جديد وكنت قد شربت وأكلت حتى كدت أفقد الوعى ولم أستطع أن أرفض طلبًا لعاصم نظرًا لعدم وجود أى أموال فى جيبه واعتماده على جيوبى الضعيفة فى عملية الصياعة الجبرية.. وفى نهاية المطاف أخذنا الإذن بالاتجاه إلى المجلة ولكن الدنيا كادت تسود فى عيونى لدرجة أننى وبمجرد دخولى مبنى المجلة جلست على أول كرسى واستلقيت بظهرى للوراء ولم أدر بالدنيا وما فيها ولكننى أفقت بعد ذلك على سرير فى أحد المستشفيات وحولى شوية بنات يرتدين الزى الأبيض، جمال لا يستطيع أن يصفه أشعر شعراء العرب.. عيون ليست كالعيون التى نعرفها وشعر أصفر وبنى وأحمر وبشرة بيضاء على قوام ليس له نظير بين صنف الحريم فى أى منطقة من بقاع العالم.. تصورت أننى انتقلت إلى الرفيق الأعلى ودخلت الجنة حدف بفضل الحسنة التى اقترفتها فى حق عاصم بالصرف عليه طوال اليوم الأخير لى على الأرض، ولكننى وجدت العم نور السيد يأتى بصحبة طبيب «لا يرتدى السماعة» ويرطنون بكلمات حاولت أن أفهم شيئا منها ولكن محاولاتى باءت بالفشل لانشغالى بتفحص البنات الحلوين اللائى التففن حولى، ثم ناولتنى إحداهن ملابسى لأرتديها وساعدتنى أخرى ومدت ثالثة يد العون لكى أنهض من فوق السرير، وخرجت من باب المستشفى لأجد السعدنى فى حالة انهيار تام وعاصم بلغ فرار فلم يعد له وجود.. وكان هناك بكر الشرقاوى وأمين غفارى وصلاح أبوالنور سكرتير نور السيد.. وجدت عيون السعدنى وقد امتلأت دموعًا من شدة الرعب ولونه تحول إلى الأسمر الداكن، وهى عادته إذا حزن على عزيز لديه، وقال لى بكر الشرقاوى إنه لطم على خديه عندما نزعوا عنى ملابسى وخرجوا بها إليه.. فقال السعدنى: هو ده اللى فاضل من الواد.. وانتابته حالة غيبوبة سرعان ما عاد منها، ولم استطع أن أنظر إلى عينيه أبدًا طوال اليوم وقرر بعدها أن أعود فى أسرع وقت إلى بغداد من أجل الدراسة وأداء امتحان الملحق.. وبالطبع أراد السعدنى أن يبعدنى عن جو لندن وكان له ما أراد، فعدنا إلى بغداد والدتى واخوتى وأنا، وعبرت العام الدراسى بسلام والحمد لله وحققت نتيجة طيبة للغاية بالنسبة لى لصعوبة المواد فى العراق وكان مجموعى 77٪ ولأن التنسيق فى العراق حسب الجنسية، بمعنى أن المصريين يتقدمون بتنسيق خاص بهم وهكذا السوريون وأيضا الأردنيون. فقد كنت الأول بين كل المصريين ولذلك شطحت الحاجة أم أكرم بأحلامها وهى تحرضنى على دخول الطب فإن لم يكن فالهندسة، وبصريح العبارة أنا كان همى الأول أن أعثر على شىء يهون على أيام الدراسة فى الجامعة، ولم يكن هناك أجمل من بنات العراق، البعض - وهن من الأكراد - أشبه ببنات أوروبا شكلًا وموضوعًا، فهن يرقصن رقصات أشبه بالدبكة فى مناطقهن الكردية، وليست لديهن العقد إياها والكسوف الذى ليس له ما يبرره من علاقة الفتاة بالشاب واختلاطهم فى حدود الأدب والأخلاق، والحق أقول إن البنات فى العراق صنفان.. الأول البنت الجميلة.. تجدها فائقة الجمال لا تستطيع أن ترفع عينك عنها.. أما الصنف الآخر فهو الصنف القبيح الذى لا تستطيع أن تنظر إليه مرتين.. فلم يكن هناك وسط فى العراق لا فى الجمال ولا فى السلوك ولا فى المحبة ولا فى أى شىء.. فالجو فى منتهى الرذالة فأنا فى غاية الحر أو فى قمة البرد.. وأنت لا تستطيع أن تتحمل برد العراق ولا حره فإذا انقطعت الكهرباء مثلًا فى الصيف فقد تلقى حتفك.. وأذكر أن أمرًا من هذا القبيل حدث فلم يتمالك السعدنى نفسه وقام وفرد كرسى السيارة الأمامى وأشعل المحرك وشغل التكييف لمدة ساعتين حتى عادت الكهرباء وعادت إلينا الروح من جديد.. وأعود إلى الجامعة.. ولا أخفى على حضراتكم أننى قمت بجولة فى جميع كليات بغداد.. وشاهدت أولا فى كلية الطب بنات ينتمين إلى الصنف تشريحيًا فقط أما فى الشكل فاسمح لى فقد كان البعض منهن يقمن بحلاقة الذقن والشارب وأغلب البنات يرتدين الحجاب، وكان الأمر شرحه فى كلية الهندسة، بنات اهتمامهن الأول والأخير منصب على الحفظ والدرس والتحصيل، بالطبع ليس هكذا وضع يصلح لأمثالى.. وأخيرت عثرت على ضالتى المنشودة فى كلية الإدارة والاقتصاد بمنطقة الوزيرية شعرت أن البنت فى هذه الجامعة تستيقظ فى الخامسة صباحا لا من أجل استعادة الدروس أو مراجعة المواد.. ولكن لأنها تستهلك وقتا طويلا ورهيبًا فى عمل المكياج والاكسسوار والملابس والبارفان ثم تأتى إلى الجامعة وكأنها مانيكان أو عارضة أزياء فشر ناعومى كامبل، وعلى الفور وقع اختيارى على هذه الخبيئة من البنات الحلوات الجميلات ولم أعد أستمع إلى نصح الحاجة أم أكرم طب أو هندسة ولا إلى توجيهات السعدنى بالتوجه إلى كلية الإعلام، فقد كانت كلية مغلقة على الحزبين البعثيين فقط لا غير، وقلت إما الإدارة والاقتصاد وإلا فلا جامعة بعد اليوم.. وكان لى ما أردت!!