رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

مرت أيام طويلة قبل أن نهتدى إلى مكان زميلنا عباس الذى وقع فى قبضة الرجل أبو شنبات بتاع الأمن عقب قيامنا بمعاكسة البنات، ولكن حظنا الحسن أننا نفدنا من أيدى أبو شنب، فقد عرفنا بعد ذلك أنه دخل مستشفى اليرموك يعانى من نزيف حاد، ولم يخبرنا عباس بحقيقة النزيف الذى أصابه ولكن عدنان بعد أن خرجنا من المستشفى مال نحوى وهمس فى أذنى قائلاً: «تدرى إيش صار مع عباس؟!»، فأجبته بأننى لا أدرى أى شىء على الإطلاق.. فعاد للهمس من جديد وهو يقول: «أصلهم جعدوه على «البوتول».. فهناك فى اللهجة العراقية بعض المفردات مأخوذة عن الإنجليزية البوتل بالإنجليزية يعنى الزجاجة، فسألته أى بوتول.. فقال «السفن آب»!! وهنا أبديت دهشتى مما يقوله عدنان فكيف لإنسان أن يجلس فوق زجاجة «سفن آب» ولكن عدنان قال: اصطبر شوية.. كمان «السفن آب» مش مفتوحة.. دى بالغطاء مالها.. يعنى عباس جلس على زجاجة السفن آب وعليها الغطاء المعدنى.. وطبعاً كانت النتيجة الطبيعية تهتك فى فتحة الشرج، ولكن كيف حدث هذا.. إنه العرف فى العراق مع شديد الأسف.. فأنت إذا عكموك متلبساً بالتحرش مع فتاة أو معاكستها وبدون شهود أو اعتراف أى مخلوق عليك يكفى شهادة رجل الأمن الذى أمسك بك لكى تذهب إلى الجحيم.. ومنذ ذلك اليوم أقسمت ميت يمين ألا أرمى بصرى تجاه فستان أو جونلة أو جيبة فى العراق، وإذا مشيت فى طريق وصادفت فتاة أعبر الشارع وأمضى فى الاتجاه المعاكس لها.. وحدث أن سألتنى فتاة فى عجلة من أمرها عن الساعة.. عندما نظرت إليها قلت فى نفسى سبحان الخلاق العظيم إنها آية من آيات الله تسير على الأرض شأنها شأن معظم بنات العراق، عيون كما المها قوام يجلب المتعة للناظرين شعر أسود كما الحرير يهفهف كما النسيم العليل فى حر العراق القاتل، الحقيقة أننى سرحت فى عيون البنت قليلاً ثم تذكرت ما حدث لعباس واعتذرت أننى لا أحمل ساعة وكنت كداب بالطبع، وأطلقت ساقى فى اتجاه المدرسة، لكن الزميل عباس عندما شفاه الله عاد إلى المدرسة واكتفى بالسلام ومنع الكلام وامتنع عن الاندماج من جديد، واختار أن يجلس بعيداً عن شلة أو عصابة الأربعة وحتى بعد انتهاء اليوم الدراسى لم يكن عباس يلبى طلباتنا فى التسكع فى الشوارع أو الجلوس على المقاهى أو الذهاب إلى دور السينما، فقد أخذ درساً قاسياً، واكتشفنا بعد ذلك أن رجال الأمن طلبوا منه الإيقاع بزملائه الذين يعارضون الحكومة والحزب أو هؤلاء الثرثرية الذين لا هم لهم سوى تدخين السجائر ومعاكسة البنات وطلبوا منه أن يراقب هؤلاء الذين يكتبون على جدران الحمامات فى المدرسة شعارات معادية للحزب والثورة، ويبدو أن عباس لهذا السبب بالذات قرر أن يهجر الشلة لكن ينقذنا من براثن رجال الأمن، وإذا كنا قد فقدنا عباس فإننا اكتسبنا صداقة ولد اسمه ليث يصغرنا بعام دراسي واحد، فقد كنا فى السادس الإعدادي، يعنى الثالث الثانوى وهو فى الخامس الإعدادى أى الثانى الثانوي، وكان ضخم الجثة شعره أشبه بالباروكة ويحرص على حلاقة شاربه ليؤكد للجميع أنه ليس بعثياً ولا حزبياً ولن يكون وتوطدت الصلة بيننا جميعاً من جهة وبين ليث من جهة أخرى، وكان عاشقاً للأفلام المصرية والأجنبية، وكان يختار الذهاب لدور العرض التى تعرض فيلمين أحدهما مصرى والآخر أجنبي، وذات يوم دخلنا إلى دور العرض وشاهدنا الفيلم المصرى وكان من بطولة محمد عوض، وضحك يومها ليث على إفيهات المفروض ألا يفهمها سوى المصريين، واكتشفت أن حصيلته من اللهجة المصرية تؤهله لنيل الدكتوراه فيها، ثم شاهدنا الفيلم الأجنبى؟! والشىء الغريب أن ليث بعد انتهاء الفيلم وخروجنا من السينما قال لى: أنا كل شىء ما افتهمت.. يعنى مافهمتش حاجة من الفيلم.. فأجبته.. طبعاً.. فقال: لماذا.. فقلت ضاحكاً لأنك حمار وأصر ليث على أن يدخل السينما لنشاهد الفيلم مرة أخرى، وأخبرته بأن فى إمكاننا أن نهرب غداً من المدرسة ونشاهد الفيلم مرة ثانية علشان البيه يفهمه ويستوعبه.. لكن ليث أصر على دخول الحفلة التى حان موعدها.. وقلت له إن أبويا سوف يتصل بنا من لندن للاطمئنان علينا، فإذا وجدنى خارج المنزل فى هذا الوقت المتأخر فسوف ألقى جزاء لا يرضاه العدو ولا الصديق.. وفى تلك الأيام كان السعدنى الكبير يعمل على إصدار أول مجلة مصرية تعارض نظام حكم الرئيس السادات بسبب زيارته للقدس، وكان الإصدار من العاصمة لندن.. لكن ليث أكد لى أننى أستطيع أن أسوق ألف سبب لوجودى خارج المنزل لساعة متأخرة، خصوصاً أنه لن يستطيع أن يفعل أى شىء أو يوقع على شخصى الضعيف بالعقاب، وعبثاً حاولت الاعتذار من عدم دخول الفيلم مرة ثانية، خصوصاً أن الحمار لو دخله مرة واحدة لفهمه وحفظه، ولكن ليث الذى توردت وجنتاه من شدة الغيظ واحمر وجهه لم يعجبه كلامى.. وفجأة ونحن واقفون أمام محطة الأتوبيس وسط زحام البشر وجدته يقول: خرب عرضك.. تسب السيد النائب المهيب الركن الرفيق المناضل.. وقبل أن يكمل الأسماء المقدسة لصدام حسين الذى كان الرجل الثانى فى القيادة أيامها والبعبع الحقيقى فى العراق قمت بوضع كلتا يدى وكتمت فم ليث ولكن أنظار الناس بدأت كلها تتسلط نحوى وبعضهم هم باستخدام يديه ولكن ليث تدخل وأفهمهم أن الأمر اختلط عليهم، وأننى قمت بسب السيد النائب المصرى وكان أيامها حسنى مبارك، نائب الرئيس السادات باعتبارى مصرياً، ثم همس فى أذنى قائلاً: تطب الفيلم، يعنى تدخل الفيلم، ولا تروح فى ستين داهية.. قلت: أطب الفيلم.. وبالفعل دخلنا الفيلم مرة أخرى وشاهدنا فيلم محمد عوض للمرة الثانية والفيلم الأجنبى أيضاً لكن الحقيقة أن ليث لم يشاهد شيئاً على الإطلاق فقد استلقى على وجهه وقفاه من شدة الضحك على شكلى وحالى وأنا أواجه الناس أمام محطة الأتوبيس وكدت ألقى حتفى رعباً بينما أنا لم أكن فى الحقيقة موجوداً داخل دار العرض السينمائي، كنت أفكر فيما يمكن أن يفعله الولد الشقى لو اتصل ولم يجدنى في تلك الساعة المتأخرة، وأيضاً فكرت كثيراً لو أن الناس على محطة الأتوبيس لم يقتنعوا بتبرير ليث، بالتأكيد كنت سأجلس ليس فوق زجاجة السفن آب ولكن فوق مصنع السفن آب كله، وبعد انتهاء الفيلم غادرنا القاعة وركبنا الأتوبيس أبو دورين ولم أتكلم مع ليث كلمة واحدة.. وسلمنا على بعض عند افتراق الطرق وذهبت إلى البيت وما كنت أخشاه وجدته.. فقد ظل السعدنى يتصل بالمنزل كل خمس دقائق حتى وصلت إلى البيت وسألنى.. فقلت له: إنهم اكتشفوا أن معظم الطلبة رسبوا فى مادة الفرنساوى فقرروا عمل دروس تقوية ومجموعات بعد انتهاء الدراسة.. وأكلها السعدنى الكبير بمزاجه وقبل أن ينهى المكالمة سألنى إن كنت أحتاج إلى أى شىء من لندن لأنه قادم إلى العراق فى القريب العاجل.. وبالفعل لم يمر سوى أسبوعين وجاء السعدني إلى العراق بصحبة العم نور السيد صديقه المقرب إلى قلبه وشريكه فى مجلة «23 يوليو» وفى حديقة المنزل جلس السعدنى ومعه نور يتفكران فى أمر المجلة ومستقبلها، خصوصاً أن كل الأنظمة العربية التى تدعى التقدمية خذلتهما.. واكتشفت أن الجماهيرية العربية الشعبية الليبية العظمى قررت منع دخول المجلة إلى الأراضى الليبية مع أنها تعارض نظام الرئيس السادات لنفس السبب الذى قاطعت من أجله ليبيا مصر السادات.. ولكن كان موقف العراق موقفاً كوميدياً.. فهى ليست مع المجلة، كما أن سلوكها يؤكد أنها ليست ضدها.. فقد ذهب السعدنى ليتسلم حسابات التوزيع من الشركة القومية للتوزيع واكتشف أن توزيع المجلة عبارة عن 3895 عدداً وراقب السعدنى أرقام التوزيع فوجدها ثابتة كل أسبوع فصارح الرجل المسئول.. وقال: هما اللى بيشتروا المجلة عساكر جيش.. فقطب الرجل حاجبيه وهو يسأل عن السبب فأجابه السعدنى.. أصل الأرقام واحدة لا بتنزل عدد ولا بتزيد عدد هى إيه الحكاية.. فأجابه الرجل.. والله يا أستاذ أنا ما أدرى شيئاً لو تريد تعرف وين الجريدة توزع عليك أن تذهب للرفيق طارق عزيز.. وكان يشغل منصب وزير الإعلام ولم يكن الرجل يحب السعدني، وكان السعدنى يبادله نفس الشعور، فقد وصلت إلى أسماع طارق عزيز تشنيعات السعدنى حوله ومنها أن السعدنى أطلق عليه لقب غوار الطوشي، وزير الإعلام، فقد كان يتكلم ويتصرف بنفس بلاهة الشخصية التى لعبها دريد لحام فى أحد أعماله الدرامية، وبالطبع لم يعجب طارق عزيز مثل هذه التعليقات من السعدنى وفى مكتبه صارح طارق عزيز السعدنى بأن المجلة توزيعها ضعيف فى العراق لسبب مهم للغاية وهو أنها بلا حس قومى.. وبالطبع أدرك السعدنى أن المقصود بالحس القومى هو تبنى شعارات وأهداف البعث العراقي، وعليه فقد رد قائلاً: بأن أى خروج عن شعار 23 يوليو سوف يفقد المجلة مصداقيتها عند القارئ المصرى الذى هو الهدف الحقيقى للمجلة.. وهنا أجابه طارق عزيز: إذن لا تحزن ولا تهتم بالتوزيع فى العراق يا أخ محمود.. وأجابه السعدنى: معاك حق.. ثم نهض وسلم على الرجل وانصرف، وقبل أن يفتح باب المكتب استوقفه طارق عزيز قائلاً: الأخ طه ياسين رمضان يريد مقابلتك لأمر مهم.. ويرد عليه السعدنى.. أنا موجود فى العراق لمدة أسبوع قادم وتليفونى عندكم.. السلام عليكم!!

وجاءت سيارة ذات يوم ماركتها سوبر صالون تويتا، وهى من السيارات الحكومية التى لا يركبها سوى كبار المسئولين.. هبط منها رجل يرتدى ملابس عسكرية وطلب من السعدنى أن يصحبه إلى مكتب مصر حيث السيد طه ياسين رمضان فى انتظاره.. وبالفعل ركب السعدنى مع الرجل وذهب لمقابلة طه ياسين رمضان، وخرج السعدنى من هذه المقابلة مغموماً وفكر فى أن يغادر العراق فى أسرع وقت ممكن، فقد أنب الرجل السعدنى على أوضاع المجلة وكرر نفس ما قاله طارق عزيز ثم تطرق إلى موضوع شخصى بين السعدنى ورجل من الرجال كان يشغل منصباً خطيراً فى مكتب الرئيس عبدالناصر وأثناء وجودنا فى العراق تبين للسعدنى أن الرجل يعمل لحساب البعث العراقى وأنه فاز بعقد توريد وتركيب شبكات كهرباء فى ريف العراق مكافأة له على نقل أحد المؤتمرات الشعبية العربية من ليبيا إلى العراق.. وقال طه ياسين رمضان للسعدنى إن المعارضين لنظام السادات عيبهم أنهم جميعاً يعادون بعضهم بعضاً ومحاولة الصلح بينهم مستحيلة تماماً مثل الطابوج الخايث، يعنى الطوب الخربان.. لو أردت أن تضعه فوق بعضه لتصنع بناء فسوف ينهار وأفضل وضع له أن تضع كل طابوجة «طوبة» بجانب الأخرى لتعطى شعوراً لدى الآخرين بالكثرة.. ولم يعلق «السعدنى» على ما قاله طه ياسين رمضان وفضل الصمت ولكن الرجل سأله عن رأيه.. فأجابه السعدنى بأن ما بينه وبين هذا الرجل معركة لن ينهيها سوى موت أحد الطرفين.. وتعجب طه ياسين رمضان وهو يقول: لهذه الدرجة تكره هذا الرجل.. فأجابه السعدنى: أنا لا أكرهه ولكن أكره أفعاله، فقد دعا إلى تجمع وطنى للمصريين المعارضين للسادات فإذا به يتاجر بهذا التجمع.. وهنا انتفض طه ياسين رمضان وهدد السعدنى بأنهم فى العراق لن يسمحوا لأحد بأن يمس هذا الرجل مهما تطلب الأمر.. وأدرك السعدنى خطورة التهديد وكان عليه أن ينسحب فى هدوء وطلب الإذن بالانصراف لوجود ضيوف فى انتظاره بمنزله.. وتصافح الرجلان وعاد السعدنى إلى المنزل وطلب منى أن أذهب إلى فندق فى منطقة أبونواس لكى أحضر له نور السيد.. وفى حديقة منزلنا.. قال السعدنى ما جرى فى مقابلة طارق عزيز وطه ياسين رمضان.. وهنا رفع نور السيد يديه وكأنه يسلم بالأمر الواقع وقال: أنا شخصياً لا أستطيع ضمان صدور المجلة لأكثر من شهر وليس فى مقدورى تدبير أى أموال من أى جهة.. ولكن السعدنى قال له: هناك رجل واحد فى هذه الأمة لو امتنع عن مد يد العون فلن تقوم للمجلة قائمة.. وهنا سأله نور السيد: مين الراجل ده يا عم محمود؟.. وتلفت السعدنى حوله فوجدنى متحفزاً ومستأسداً لمعرفة اسم الرجل وكأننى أحد رؤساء تحرير المجلة.. فقال لى السعدنى قوم اعمل لنا كوبايتين شاى.. قلت فى سرى الله يخرب بيت الشاى لبيت سنينه السودة.. وذهبت لعمل الشاى وعدت بعد أن فرغ السعدنى من شرب الشاى توجه إلى داخل المنزل.. فاقتربت من العم نور وسألته عن اسم الرجل.. فنظر حوله كما محمدين وحسنين، فقد كان العم نور يخاف السعدنى هو الآخر مع أنه فى التكوين الجسمانى لو كح لألقى بالسعدنى لعدة كيلومترات للأمام.. وهو يكاد يخرج صوته بالعافية قال: الشيخ سلطان القاسمى.. حاكم الشارقة، هو الحاكم الوحيد الذى وقف إلى جانب السعدنى فى إصدار المجلة حتى أكملت مهمتها فى الصدور لمدة عام بالتمام والكمال، وفجأة يعود السعدنى فينقطع الكلام.. ويقول لنور السيد شفت يا سيدى الأنظمة التقدمية الخنفشارية ماحدش وقف معانا.. ما هو لإما نقول البكر وصدام والبعث أو الفاتح والقافل أو ماتلزمهمش.. ثم يضيف السعدنى: علىّ الطلاق لا حاكتب كتاب أخليهم يندموا على اليوم اللى أمهم ولدتهم فيه.. وحا أسميه على وزن كتاب عمك الجبرتى.. العصر المملوكى.. لكن ح اكتبه العصر «الم....» تأليف «الـ... برتى».. وبالطبع غيّر السعدنى فى المملوكى حرفاً واحداً فوضع النون فى موضع ما وحذف حرفاً آخر وعند الجبرتى وضع حرف الزين فى موضع ما.. لو فعلتها لوقعت تحت طائلة قانون العقوبات.. ولكن أترك للقارئ اللبيب الذى هو بالإشارة يفهم أن يضع حروف السعدنى موضعها الصحيح!!