عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

تغير الصعيد عن زمان، ندهته التكنولوجيا الحديثة فأخذها بالأحضان، ولم لا وهو جزء من الكل، ومصر جزء من العالم الذى أصبح قرية صغيرة.

الصعيد ودع سنوات الحرمان، عندما كان يشرب من القناية، الترعة، القلة، الزير، الجرة، وانتظر نبوءة الشيخ عبدالعليم حتى تحققت، كان هذا الشيخ يقول فى إحدى قرى الصعيد: سيأتى عليكم يوم يتكلم فيه الحديد، وتكلم الحديد بدخول التليفون حيث بدأ من دوار العمدة، ثم  انتقل الى كل بيت، وقبل أن ينتهى آخر منزل من تركيب التليفون الأرضي، ودخل «المحمول» الذى أذن بتدفق التكنولوجيا من أوسع الأبواب، قبله كان الصعايدة يراسلون أقاربهم فى القاهرة عن طريق خطابات البريد، وكان ساعى البريد يسمى «الطواف» يركب الحمار فى الصباح ويلف على بيوت القرية يسلم الخطابات المرسلة من القاهرة إلى أصحابها وكانت الناس تحترم ساعى البريد فتكتب على الظرف من الخارج شكراً لساعى البريد، الخطابات كانت ترسل فى ظروف معينة مثلاً فى وفاة أحد أقارب المرسل اليه، حيث يرسل له أهله خطابا يبدأ بعبارة لو كانت رأسك مبلولة كمل حلاقتها عندنا، وهذا تعبير عن استعجاله فى الوصول لتشييع الجثمان وأخذ العزاء، وكان الخطاب يصل الى المرسل اليه بعد الذكرى السنوية، كما كان خطاب الدعوة لفرح يصل بعد انجاب العروس لمولودها الأول، وهذا دليل على تأخر الخطابات لأوقات طويلة،  ولم تكن عملية ارسال الخطابات مجدية بالمرة، وكانت التليفونات محلية، والذى يريد أن يطلب القاهرة  يحجز مدة من السنترال العمومى، ثم دخلت الثلاجة، الغسالة، البوتاجاز  وأجهزة التكييف الى الصعيد، وأنشأوا العمارات الفاخرة والفلل، وأصبح للشاب المقبل على الزواج شقته المستقلة المجهزة بأحدث الأجهزة وأرقى المفروشات والأثاثات. كما أصبح لكل شباب بالصعيد فى كل قرية حساب على فيس بوك، يربطه بكل شباب العالم، ومثل كل الشباب استجاب شباب الصعيد لايجابيات الفيس بوك ولسلبياته أيضاً، وأسهمت هذه التكنولوجيا فى تغيير تقاليد الصعيد الراسخة، والتغيير أمر صحى وايجابي، ولكنه تغيير سريع غير ناضج، وتغيير مسلوق نزع الشباب من الجذور، وأصبح العم والخال «أونكل» وأصبحت «أمي» «مامي» وشاعت تانت ونينة وتيتة وأنه بين الصعايدة.

واخترق التطور عادات وتقاليد الصعيد فى الزواج، فاختفى شعار الدلو المليان يكب على الفاضي، وظهرت ثقافة المغالاة فى المهور التى رفعت تكاليف الزواج، ورفعت سن الزواج للفتيات الذى وصل الى حد العنوسة بعد أن كانت الفتاة زمان تتزوج فى العاشرة من عمرها، أصبحت حاليا تصل  الى الثلاثينيات، وأسهم تعليم الفتيات بعد أن أصبحت الفتاة فى الصعيد طبيبة  ومهندسة وأستاذة فى الجامعة فى اطلاق حرية الفتاة فى اختيار شريك العمر، وحد التطور من زواج بنت العم لابن العم وأصبحت الفتاة هى التى تختار شريكها حتى ولو كان من مدينة أخرى أو حتى دولة أخري، ولكن المشكلة التى تواجه الزواج فى الصعيد والتى دفعت الفتيات الى العنوسة والشباب الى مقاطعة الزواج هى المغالاة فى تكلفة الزواج من مهر وشبكة  وتجهيزات تفوق الخيال رغم الأوضاع  الاقتصادية الصعبة التى يعيشها معظم أهل الصعيد، ورغم محاولات تخفيف تكلفة الزواج فى محافظات أخرى، هذه المغالاة غير المستحبة يجب أن يقلع عنها أهل الصعيد ويتذكروا تقاليدهم التى تحترم سترة البنت وعصمة الولد ولكن الصراع بين أهل العريس وأهل العروس لتحميل كل منهم الآخر فوق طاقته خلق أزمة اجتماعية الصعيد فى غنى عنها  وأدى التقليد الأعمى الى تعجيز الشباب المقبل على الزواج وجعل البنات والأولاد يفشلون فى تكوين أسرة لعدم قدرتهم على التكلفة التى فاقت الحدود والتى يأباها الدين.