منذ فجر التاريخ استطاعت الرياضيات أن تقدم إجابات واضحة ووافية على شتى التساؤلات التي حيرت العالم فكانت بحق منتجاً حضارياً بامتياز ساهمت به البشرية جمعاء، فما اختراع علم الحساب إلا تلبية وٕاجابة عن أسئلة ملحة طرحها الإنسان، وكذلك الحال بالنسبة للجبر والهندسة والقياس وحساب المثلثات والتفاضل والتكامل وكافة فروع الرياضيات التي ساهمت بشكل محوري في فهم فروع المعرفه المتنوعة وأضحت بمثابة المدخل وكلمة السر لدراسه معظم العلوم والفنون والمعارف منذ زمن بعيد.
و أدرك التربويون بشتى تخصصاتهم تعاظم الدور الحضاري والمنفعي الذي تقوم به الرياضيات
في مجالات المعرفة المعاصرة فاهتموا وانخرطوا في إعداد برامج لإعداد أطفالنا إعداداً قوياً وذكياً في الرياضيات من حيث تكوين الحس الرياضي وٕادراك مفاهيم الرياضيات وٕاتقان مهاراتها في سياقات مجتمعية ومواقف واقعية وأطر قيمية،
فعلى مر العصور كان السعي نحو الجودة في تعليم وتعلم الرياضيات من خلال نظريات ومبادرات متجددة. ولقد كانت تلك الجهود والتوجهات التربوية نتاج إحساس عميق لدى التربويين بحاجة المجتمع الماسة إلى تجويد التعليم والارتقاء به من أجل نتاجات تعلمية تحقق أهداف وتطلعات الفرد والمجتمع، حيث شكلت هذه التجارب المستمرة والجهود المضنية بذرة النهوض والصحوة التربوية على مستوى العالم، فأثمرت برامج تعليمية راقيه واستراتيجيات تربوية محددة وواضحة الأهداف والوسائل فانعكس ذلك كله على مسيرة الحضارة البشرية برمتها، وساهمت في الانتقال من سياسات تربوية تقليدية بالية تعتبر المتعلم آلة يجب تزويدها بالمعلومات إلى عصر التنوير والنهضة التربوية الذي كان عماده الأساسي الرياضيات ومناهجها وطرق تدريسها وفق تصورات ورؤى تعتمد المعايير التي تم إعدادها بمهنية عالية ودقة متناهية كأساس ومرتكز، بحيث يتفاعل معها المتعلم بإيجابية، فيلبي حاجاته وطموحاته وينطلق إلى فضاءات أوسع وأرحب من مجرد تعلم الرياضيات من أجل المعرفة ليصبح قادراً على التأثير في كل ما يدور حوله من تغيرات ويواكب الابتكارات العلمية والإنجازات المعرفية في شتى المجالات، فيبدع ويبتكرويحقق ذاته.
وقد كان حدث إطلاق القمر الصناعي (سبوتنيك) من قبل الاتحاد السوفيتي سابقاً عام 1957
حدثاً بارزاً, فجّر الصراع العلمي على المستوى العالمي وكان برهاناً حياً على قوة الرياضيات وقد عزت أمريكا حينئذ هذا السبق الروسي لها إلى تخلف مناهج الرياضيات في مدارسها وسارعت إلى تطوير هذه المناهج.
وكان لصدور التقرير الشهير الذي وصف أمريكا بأنها " أمة في خطر " الدافع الرئيس الذي جعل
الملف التربوي عموماً وملف الرياضيات خصوصاً في قمة أولويات الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين منذ عهد الرئيس ريجان وحتى اليوم، وقد برز ذلك بوضوح عندما أصبحت موازنة التعليم في أمريكا تفوق موازنه الدفاع.
وتوج ذلك الاهتمام البالغ بمقولة الرئيس الأمريكي بوش الأب عام 1991 في احتفال إعلان
استراتيجيه التربية لأمريكا عام 2000 ، " إذا أردنا لأمريكا أن تبقى قائدة فلا بد أن تقود الطريق في مجال التحديث والتجديد التربوى.
في ضوء ثورة التصحيح التربوي التي أصبحت فكرا وعقيدة وٕاستراتيجيه، تم تأسيس المجلس
حيث قامت لجنة من مديري هذا المجلس في عام1986 لمعلمى الرياضيات(NCTM) القومي
بتأسيس فريق عمل لإعداد معايير لتعليم الرياضيات بهدف تحسين نوعية الرياضيات المدرسية وتقويم المناهج بطرق تعليمية ثم انبثق عن هذه اللجنة ما يسمى وثيقة معاييروتقويم مناهج الرياضيات المدرسية عام 1989 ثم تلتها معايير عام 2000 التي اتسمت بالواقعية والعملية والدقة وبراعه التصميم وأصبحت بمثابة وثيقة دولية تأخذ بها الكثير من دول العالم من أجل تطوير وتحسين مناهج الرياضيات المدرسية.
فقد كانت تجربة المجلس القومي لمعلمي الرياضيات تجربة علمية رائده في مجال تأسيس معايير
محددة للرياضيات، فكان من المهم مقارنة تلك المعايير مع الممارسات والمعايير المطبقة في مناهجنا
لمعرفة أين نقف إ زاءها كونها عالمية وتوجهات ذات صبغة تربوية دولية .
وتسابقت المؤسسات التربوية فيما بعد في دول مختلفة في وضع معايير لما يجب أن يعرفه
المتعلم من رياضيات وما ينبغي أن يقدم على القيام به من خلالها وذلك منذ طفولته وفي مسيرة ومراحل نموه ومراحل تعليمه وتعلمه حتى تخرجه.
اخيرا.. نريد ان نقول فى هذا المقال اننا بحاجه ماسه الى التحديث والتطوير لمناهج الرياضيات وان كنا نبغى الوصول الى جوده تعليم وتدريس الرياضيات فى مصر فانه كان لزاما علينا الالتزام بمعايير المجلس الامريكى القومى لمعلمى الرياضيات فى الجوانب الثلاثه الاساسيه: اعداد المناهج الدراسيه, الكتب المدرسيه وبرامج اعداد معلمى الرياضيات لجميع مراحل التعليم المصرى.
دكتوراه فى علوم التربيه – كليه العلوم التربويه
جامعه شيربروك - كندا