عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فين؟

 

 

لا أشعر أننى «قاهرى» حتى الآن.. مازلت أشعر أننى لم أغادر قريتى إلا بجسدى.. أتذكر كل الأشياء منذ وعيتُ وأمى تقدم لى فى المدرسة الابتدائية.. أخذتنى إلى المدرسة وتركتنى.. لا أوراق ولا طوابع دمغة ولا اتنين موظفين، ولا حتى رسوم.. استقبلنى حضرة الناظر عبدالفضيل.. وبدأت رحلتى.. لم أكن مخضوضاً ولا مرعوباً.. والأطفال الآن فى عصر الدلع!

ويسألونك أين تقضى أجازة العيد؟.. الريف يسكننا.. كثيرون يذهبون إلى الساحل.. بعضهم يذهب إلى العين السخنة.. وبعضهم يذهب إلى رأس البر مثل إبراهيم بك محلب، الذى يقضى مصيفه هناك.. إما لأنه مصيفه الخاص والأثير لديه، وإما لأنه يرتبط به لعلاقات نسب.. وفى العيد نعود إلى بلادنا وذكرياتنا وأهلنا.. كل واحد له إشارة عندك فى المخ يترجمها فوراً!

فلم أتصور اننى فى أى عيد كنت بعيدا ًعن الأهل، أو بعيداً عن وطنى وصباى وذكرياتى واحلامى.. إلا فى مرات الحج.. فليس لك من الأمر شيء.. وكنت حين اعود نحتفل بالعيد من جديد.. ونلاعب الأطفال وننفخ البلالين، حتى يكون ذلك لافتاً بصورة من الصور.. وقد تقضى ساعات من عمر الزمن لكنها كفيلة بأن تعيدك إلى نفسك، وكانك تعمل «سوفت وير»!

فقريتنا كانت محظوظة ومازالت طبعاً، لأنها تقع على النيل من جهة، والرياح التوفيقى من جهة أخرى.. فأنت بين المياه من هنا وهناك.. وكنت فى مرحلة لاحقة أذاكر على جسر النهر الخالد، وأنظر إليه وكأنى أكلمه وهو يسمع ولا يفشى سراً، ولا يُخرج كلمة.. وكم قلت له من أسرار ولم يبُح بها.. وظللت أصادقه فاكتفيت به أحياناً.. لأنه لا يستغل «نقاط ضعفك»!

وأعود إلى ذكرياتى فى المدرسة الابتدائية، ومعظم الذين ارتبطت بهم كانوا فى الابتدائى سواء كانوا معلمين أو تلاميذ.. وعرفت حضرة الناظر عبدالعزيز الخباز.. رجل عظيم من قرية جمجرة.. وكان له فضل كبير جداً.. وكان يصطحبنى معه دائماً فى طريق العودة، ويضع يده على كتفى، كتعبير عن ثقته، بينما يصطف التلاميذ لتحيتنا على «جانبى الطريق»!

وتعلمت الانضباط والمسؤولية.. فلا يصح أن يكون رفيق حضرة الناظر «أى كلام».. خصوصاً أنه لم يفعل ذلك اصلاً إلا كنوع من التقدير.. وكان رحمه الله يستغل وقت الفسحة ليقدم لنا حصة.. وكنا فى قمة السعادة.. وهكذا أيضاً كان الأستاذ احمد مدرس اللغة العربية.. ولا أنسى حين كافأنى بتعريفة، وربما كانت ثمن وجبة إفطاره.. ولكنهم هكذا كانوا يفعلون معنا!

ربما يكون الريف قد تغير جداً.. فلا يشبه ريف أمى وطبيخ أمى.. لكنك تعود إلى أهلك وذكرياتك.. كيف أنسى جلسات المساء على النهر الخالد مع صوت أم كلثوم؟.. وكيف أنسى عشرة العمر؟.. نحن لسنا نباتات شيطانية.. بالتأكيد لنا جذور.. عودوا إلى جذوركم!