رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

استكمالا لحديثنا الأسبوع الماضي حول شيوع ثقافة التخلف نشير إلى أنه  من نافلة القول التأكيد على أن لا تقدم علمى و لا ثقافة علمية و لا بيئة علمية مواتية لصنع الإبداع العلمى و المشاركة فى مسيرة العلم المعاصر دون انتشار قيم الثقافة العلمية و مفرداتها و نظرياتها بين أفراد المجتمع بلغة هؤلاء الأفراد.

لقد رأينا فى مقالنا السابق كيف أننا كنا قادرين فى الماضي القريب والبعيد على صنع التقدم وامتلاك ناصية الثقافة العلمية، والحقيقة أنني لا أدرى ما الذى حدث بعد ذلك فجعلنا ننسى كل ذلك و نتغافل عنه مستسلمين لتيارات التغريب تغزو عقول علمائنا قبل أن تغزو عقول طلابهم ومجتمعهم؟! ولا أدرى كيف تم الاستسلام لمقولة خبيثة رددها المتغربون تقول إن اللغة العربية ليست لغة علمية، وليست قادرة على استيعاب وملاحقة المفردات والاصطلاحات والتطورات العلمية الحديثة! والحقيقة أنها كانت ولا تزال لغة تتسع بكل تاريخها وإمكانياتها الذاتية ليس فقط لنقل واستيعاب العلوم الحديثة، بل للإبداع العلمى إذا ما أراد لها أصحابها ذلك! فهى كانت اللغة التى استوعبت كل العلوم القديمة إبان حركة الترجمة الكبرى فى العصر الإسلامى الزاهى، وهى اللغة التى استخدمها جابر بن حيان والحسن بن الهيثم وأبو بكر الرازى فى إبداعاتهم العلمية وعبروا بها عن مكتشفاتهم العلمية المبهرة التى بنى عليها علماء الغرب فى العصر الحديث!

أقول وأكرر أن النخبة المثقفة والعالمة هى المسئولة بالاشتراك مع النخبة السياسية و رجال الصناعة و الإعلام بالتوازى، كلهم مسئولون عن إعادة اللغة العربية كلغة علم، ولغة تنتشر بها الثقافة العلمية بين أفراد المجتمع جميعاً و ليس فقط بين الباحثين العلميين. إن الثقافة العلمية أو ثقافة العلوم هى الحد الفاصل فى عالم اليوم بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات المتخلفة، وصدق العالم الأمريكى ايريك بولك مدير المؤسسة القومية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية حينما يقول إنه «يجرى على المجتمع الإنسانى فى الوقت الحاضر تغيير جذرى فى بنيته  وسوف تحسم نتيجة هذا التغيير بقدر اعتماد كل بلد على المعرفة العلمية»   ولنا أن نندهش من هذا القول لعالم أمريكى فى الوقت الذى نعرف جميعاً أنه يقال فى ظل مجتمع ينفق على البحث العلمى وعلى نشر الثقافة العلمية ما لا يوازيه أى نسبة فى أى دولة أخرى فى العالم، فما بالنا نحن نترك أنفسنا نهباً لثقافة أبعد ما تكون عن الثقافة العلمية. وما بالنا لا نطمح إلى تغيير نمط هذه الثقافة المتخلفة السائدة فى مجتمعنا وتحويلها إلى ثقافة تقدم علمى!! وقد يثور بعضنا قائلاً: إننا حاولنا ولا نزال نحاول لكن «العين بصيرة واليد قصيرة»!!

والحقيقة أنه مهما كانت الإمكانيات المادية ضئيلة ومهما كانت المعوقات أمامنا كثيرة فلابد أن نمتلك إرادة جادة فى توفير هذه الإمكانيات المادية بوسائل شتى جديدة وعديدة بالإضافة إلى دعم الدولة الذى ينبغى بإرادة سياسية جادة أيضاً وفاعلة أن يتضاعف عشرات المرات و لابد أن نمتلك فى ذات الوقت خطة جادة واضحة المعالم محددة الأهداف والأدوات الدقيقة للقياس لتذليل كافة العقبات للوصول إلى تحقيق هذه الطفرة المنشودة فى صنع ثقافة العلوم  استنباتها داخل مجتمعنا حتى نجد من نفس هذا المجتمع الدعم الكامل واللامحدود لصنع بيئة وبنية علمية مواتية للإبداع العلمى والإنفاق على المبدعين العلميين بلا حدود. والحقيقة أن لدينا العديد من هذه الخطط سواء فى المؤسسات البحثية الرسمية أو حتى لدى الأفراد والكثير من هذه الخطط يعد موضوعاً أساسياً من موضوعات عشرات المؤلفات الفكرية والعلمية الصادرة عن كبار علمائنا ومفكرينا، لكن مجتمعنا لم يمتلك بعد الإرادة الجادة لهذا التحول نحو الثقافة العلمية، وهذه الإرادة لن تتوافر ما لم تتوافر الإرادة السياسية التى تجعل من هذا الأمر قضية حياة أو موت، قضية تلخصها العبارة الشكسبيرية الشهيرة: نكون أو لا نكون! فلم يعد فى عالمنا المعاصر مكاناً للمتخاذلين فى امتلاك ناصية التقدم العلمى والمشاركة فى صنع الحضارة العلمية المعاصرة. ولن نكون من المشاركين فيها إلا إذا تخلصنا من هذا الداء العضال الذى ينخر فى كل جوانب حياتنا، داء انتشار ثقافة التخلف البعيدة كل البعد عن أى قيمة من قيم ثقافة التقدم التى جوهرها كما قلت هو الثقافة العلمية.