رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلام

 

كثير من التنويريين ودُعاة الحرية لقوا الموت بسبب أفكارهم ومبادئهم، كما لاقي الأنبياء التعذيب والقتل قبلهم.. ولعل أهم مَن  أبرز التاريخ موتهم بسبب أفكارهم هو الفيلسوف اليوناني «سقراط».. ورغم قلة المصادر التاريخية لسيرة حياته، إلا أنني أري في لوحة «موت سقراط» للفنان الفرنسي جاك لويس ديفيد، مصدراً مُهِماً لسيرة الفيلسوف العظيم.

ومَن ذهب إلي نيويورك ولم يزُر متحف المتروبوليتان للفن فقد خسر كثيراً، ومَن لم يقف طويلاً مُتأملاً لوحة «موت سقراط» فقد خسر أكثر، فاللوحة هي الأهم في مقتنيات المتحف، وهي مرسومة بألوان الزيت علي القماش، ومساحتها 196*130 سنتيمتراً، وأمامها يُطيل الزائرون الوقوف في تأمل وتمعن شديد، فهي لوحة فنية راقية، تمتزج فيها الألوان مع الأضواء مع الحركة، لتُظهِر في اللوحة عناصر شخصية وتاريخية وسياسية وأيضاً جمالية، أتقنها أحد رواد المدرسة الكلاسيكية الجديدة جاك لويس ديفيد عام 1787 ميلادية، يصور بها لحظات ما قبل «موت سقراط» بالسم عام 399 قبل الميلاد، بعد أكثر من ألفي عام من الحكم عليه بالموت، بسبب آرائه ودعواته لمحاربة الجهل، ومُناداته بالحق وإعمال العقل في مواجهة الخرافات واللاهوتية، واعتبر الحاكم هذه الدعوات تخريباً لعقول الشباب وكُفراً بالآلهة، وأمام 501 من أحرار أثينا دافع «سقراط» عن مبادئه، وهاجم المحلفين، وأنكر التهمة، وأصدروا ضده حُكمهم بالموت بالسم، ورغم ذلك لم ينكر «سقراط» الحكم، لأنَّ مبادئه كانت تدعو إلي احترام القانون، ورفض «سقراط» الهروب خارج البلاد بخطة مُحكمة وآمنة، احتراماً للقانون الذي أعدمه، فأصحاب المبادئ لا يهربون خارج الأوطان!!.. والمشهد الأخير من حياة الفيلسوف «سقراط» لم تُجسده اللغة بقدر ما جسده الفنان التشكيلي الفرنسي جاك لويس ديفيد في لوحته الشهيرة، بريشته وألوانه، وبدقة متناهية وإتقان شديد ظهر في تفاصيل دقيقة جداً في وجوه الأشخاص وأجسامهم وثيابهم وجُدران القبو الذي أعدموا فيه «سقراط».

في لوحة «موت سقراط» يُركِّز الفنان جاك لويس الضوء علي «سقراط» في منتصف اللوحة بلباسه الأبيض، ليبدو أكثر الشخصيات إشراقاً في اللوحة، وملامحه تعكس هدوءاً وشجاعة واستبسالاً في مواجهة الموت، وهو يمد يده اليُمني لكأس السم، ويرفع سبابة يده اليُسري للسماء كما لو كان يقول إنَّ حياته لن تنتهي برشفة السم، بل ستُحلِّق في السماء بعد أن تتحرر من سجن الجسد «ومَن يُمعِن النظر في اللوحة، يلحظ الألوان الهادئة علي حوافها وتتدرج لتصبح زاهية ساطعة في منتصفها مع تركيز الضوء، وتنوع استخدام الألوان ما بين الأسود والرمادي والأزرق والأحمر والأبيض في تناغُم سلس.. وحول «سقراط» تلاميذه في حالة من الحزن البادي علي ملامحهم جميعاً، وأحدهم يضع يده علي فخذ سقراط يواسيه، وآخر يضع كفيه على وجهه يخفى عينيه وهو راكع حتي لا يري الفاجعة، وآخر يُدير ظهره لأُستاذِه رافعاً رأسه ويديه إلي السماء، كمن يدعو بالنجاة، بينما آخر يُدير وجهه للجدار مُستنداً بيديه عليه حتي لا يري الموت يسري في جسد الأستاذ. وفي عُمق اللوحة يلوح ضوء في ربُعها العلوي الأيسر، وفيه تظهر زوجته تصعد درجات سلم مُغادِرة المكان قبل الموت وهي ترفع يدها اليُمني بإشارة وداع، بينما «أفلاطون» يجلس علي حافة السرير مطأطئ الرأس في ألم وخشوع.

كم «سقراط» في هذا العالم دفع حياته ثمناً لمطالبته بالحق والعدل والمساواة والحرية؟! كم منهم اتهمهم الحكام بالجنون وتشويه العقول؟! كم من هؤلاء ماتوا دفاعاً عن أفكارهم، ولم يجدوا مَن يُخلِّد ذِكراهم بكلمة علي ورقة أو لون علي لوحة؟!

 

 

[email protected]