رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

سيدق بابك فى أى صباح باكر، حين تفتحه ستجد أمامك حقيبة ضخمة هى الظاهرة، ويكاد يختفى تحتها جسد صغير بوجه دقيق حسن الملامح، ستحدثك الشابة بلكنة عربية ستعجبك لأنها تبذل خلالها جهداً لتنطق مخارجها بصورة متقنه، ستنزل الحقيبة أمامك فى خفة رغم ثقلها وضخامتها التى تعادل جسدها مرتين، ستخرج من الحقيبة بكل خبرة وتمرس أشكالاً وألواناً من الملابس التى تصلح لكل الأعمار والأذواق، وسلعاً أخرى رائعة بأسعار مقبولة، ستخبرك أن ما تعرضه صنع فى الصين.. بلدها وبلا رهان منى.. ستقنعك أن تشترى منها شيئاً، أى شىء حتى لو لم تحتاجه فعلاً، قد تشترى تقديراً لجهدها المبذول فى البيع والعرض، أو إعجاباً بالمنتج الذى ينافس «ام» منتجاتنا المصرية المماثلة فى الصناعة والتشطيب واللمسات الجمالية وأيضاً السعر، ستنتصر الدلالة الصينية على رفضك، وستغادرك بحقيبتها الضخمة وبيدها جنيهات منك.

الدلالة الصينية تكسب.. أنها جزء من كل، جزء من الاقتصاد التجارى الذى اعتمدت عليه الصين على مدى السنوات الماضية ضمن حطة الإصلاح والتنمية، الصين بشعبها الكثيف.. جداً فى التعداد، وبفقرائه الذين يفوق عددهم تعداد مصر كلها، نجحت فى تجاوز الكثير من العقبات الاقتصادية، وخرجت من دائرة الفقر إلى التنمية، فالتنمية المستدامة الجيدة، ومن الكم إلى الكيف فى نوعية الإنتاج، لأن أبناءها لا يخجلون من العمل فى أى وبكل شىء لإنتاج ما يعود عليهم بالنفع وعلى بلدهم، طالما عملاً مشروعاً مهما كان متواضعاً أو متدنياً.

فى مصرنا الحبيبة، نتمسك بإلحاق أولادنا بكليات القمة، ولا يهم أن يتخرج الطبيب والمهندس لينضم لصفوف البطالة، لأن سوق العمل لا يحتاجه، المهم أن «يتفشخر» الآباء بكلية ابنهم وعذراً فى اللفظ، ولا يهم أن يصبح عاطلاً أو حتى يهرب على مركب مطاطى إلى دولة أوروبية ليتلقفه البحر غرقاً، أما فى الصين والدول الأخرى الواعية بمعطيات الاقتصاد والنمو والتقدم، يتم عمل توازن دقيق بين أعداد القبول بالجامعات عامة وبكليات القمة خاصة بما يتلاءم مع مطالب سوق العمل، فيما يتم توجيه الأبناء إلى الكليات والمعاهد العملية والمدارس الفنية التى تخرج لنا مهنيين وحرفيين يتمتعون بالخبرة العملية المدعومة بالدراسة النظرية.

هناك فى الصين الفهلوة مرفوضة، لكن المجال مفتوح للعقول المبتكرة وللمخترعين، الذين يتم تبنيهم لابتكار واختراع كل ما ييسر الحياة على الإنسان، كل شىء يتم عبر دراسة واعية، تعتمد على التنمية البشرية، فالحلاق لا يمارس عمله بلا شهادة أو دورة تدريبية وخبرة، النجار.. الحداد.. السباك، وقس على هذا، فى مصرنا، الحلاق يمكن أن يصبح سباكاً وحداداً ونجاراً ونقاشاً، كله بلا أى خبره أو مهنية أو فن بل بالفهلوة، فهلوة لكسب المال دون منحك أى عمل حقيقى متقن، تقييمنا لجودة المنتج والإنتاج «صفر» لذا لا ملام أن نهرب كمصريين من شراء أى منتج مصرى، ونلوذ للصينى أو حتى التركى، لننمى اقتصاديات دول أخرى على حساب اقتصادنا القابع فى غرفة الإنعاش.

الصين نجحت فى تجاوز خط الفقر ليس بجهد الحكومة فقط التى أرست قواعد سليمة للاقتصاد ورفعت راية العمل والتأهيل والتدريب وحاربت الفساد ولا تزال، بجانب تطبيق قوانين عمل صارمة ورقابة وسياسة ثواب وعقاب، بل أيضاً بجهد الشعب، الذى أصر على العمل والإنتاج لأى منتج مهما كان بسيطاً أو صغيراً، لعلمه أن دخله مرتبط بقدر عمله وإنتاجه، فالدولة لا تتحمل الكسل والتنطع، حتى الصادر ضدهم أحكام فى جرائم، ترسلهم الصين إلى الخارج ليعملوا فى دول أخرى طيلة سنوات العقوبة، فلا تتحمل نفقات معيشتهم فى سجونها، لأن المجتمع الصينى أولى بهذه النفقات.

أين نحن من أبناء الصين، الموظف لدينا يمن على الدولة أنه خرج من بيته، يتحايل على رئيسه للتزويغ، يقضى ساعات عمله غالباً فى رغى وتسلية وإهدار لمال المؤسسة أو المصلحة من هاتف وكهرباء وآليات أخرى، لعلمه أن راتبه محفوظاً بلا نقصان مهما «كفر سيئات» المواطنين وعقد مصالحهم، مصانعنا التى خربت بسبب إهمال القائمين عليها وتكاسل عمالها، لا يزال العمال يصرفون أجورهم وحوافزهم بل أرباحهم من رأس مال المصنع أو الشركة الخاسرة.. فى مصر المال العام سائب، فأصبح مستحلاً ومباحاً للغائبة ضمائرهم، فهل بعد هذا نحلم أن نتقدم ونحصد ثمار أى مشروعات مهما كانت قومية عملاقة..؟.. أترك لكم الإجابة...!

[email protected]