رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رحل عن دنيانا منذ ساعات المرحوم المستشار أحمد إبراهيم زكى الدسوقى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارتى الدفاع والإنتاج الحربى  وهو من دفعة عام 1976 ومن مواليد 8 أغسطس 1954 وعين بالمجلس فى 14 أبريل عام 1977 , وقد سبقه فى الانتقال إلى الرفيق الأعلى بثلاثة أيام , المستشار المرحوم حسن كمال الدين مصطفى سرى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارة الموارد المائية والرى من دفعة 1975, فكلاهما يعملان بقسم الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع الذى غيب الموت اثنين من رؤساء إداراتها فى بحر ثلاثة ليال لأول مرة فى تاريخها ! بل وكلاهما من دفعتين متتاليتين ! وما الموت بعزيز عن الخلق والعباد , لكنها عبر ودروس تُستزاد .

إن رحيل المستشار أحمد زكى القيمة والقامة ورمز الاستقامة , ترك أثرا كبيراً فى نفوس قضاة مجلس الدولة من جميع الأجيال , وقد عرفناه كريم الخصال , طيب القلب , صافي النية , نقي السريرة  متسامح  لأكبر درجات التسامح , عرفناه شمعة يحرق نفسه لينير الطريق لغيره , لا يحمل حقداً ولا كرهاً لأحد , ويتمنى السعادة لكل من حوله , وكأنه انسان لا يوجد مثله في هذا الزمان في نقاء القلب، وطيب النفس، وحسن السريرة وخلوه من كل غلٍّ وحسد وحقد على أى إنسان , فلا حسد فيه، ولا ضغينة  تغنيه ، ولا كراهية ولا بغضاء فيه يشفيه , فقد امتلأ قلبه  بالتقوى والإيمان , ففاضت روحه بالخير والإحسان، وانطبع صاحبها بكل خُلق جميل، وحب الخير للآخرين، فهو من نفسه في راحة ، والزملاء  منه في سلامة , فمن حَسُنت سريرته حَسُنتْ سيرته .

وإذا عدنا إلى عصر النبوة والصحابة , نجد معانى رائعة عن صفاء القلب , فقد روى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن عمرو قال:  قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مَخْمومِ القلب، صدوق اللسان"، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غلَّ، ولا حسد" قال: قلنا: يا رسول الله، فمن على أثره؟ قال: "الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة!»، قلنا: ما نعرف هذا فينا، إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن على إثره؟ قال: "مؤمن في خُلق حسن"، قلنا: أما هذه ففينا.  وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروعَ الأمثلة في سلامة القلوب، وطهارة الصدور، فكان لهم من هذه الصفة أوفر النصيب , فكانوا رضي الله عنهم صفًّا واحدًا، يعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضًا، ويحب بعضهم بعضًا، كما وصفهم الله جل وعلا بذلك؛ حيث قال سبحانه: "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" سورة الحشر: الاَية 9  , فكانت سلامة الصدر ميزان التفاضل الذى تعلمناه في ديننا الحنيف.

والحق أنه لا يبقى بين الزملاء خاصة فى الحقل القضائى سوى  صفاء وود ، إخاء وحب ، قلب سليم، ونفس صافية ، وصدر يحتمل الزلات ، ويغفر الخطايا، ويمحو الإساءة بالإحسان، ويستحيل قيام حضارة حديثة سليمة على قلوب عليلة ، وأنه ما لم تستقم الضمائر وتصفُ النيات، فلن تصلح الأحوال، ولن تنجح الحضارات المستحدثة ولا حتى بالدعوات.  ولذلك فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على أن تكون الأمة أمةً واحدة في قلبها وقالبها، تسودها عواطف الحب المشترك، والود الشائع، والتناصح البنَّاء الذي يثمر إصلاح الأخطاء، مع صفاء القلوب وتآلفها، دون غل أو حسد، ولا كيد أو بغى ؛ فليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرَّأً من وساوس الضغينة، فسلامة الصدر خَصلة من خصال الأخلاق عظيمة ، غابت رسومها ، واندثرت معالمها، وخَبَتْ دلائلها ، حتى غدتْ عزيزة المنال والإقبال ، عسيرة  الأوصال والإطلال .عصية على الاكتمال والامتثال .

وقد قدر لى أن أجلس مع المستشار المرحوم أحمد زكى في أخر لقاء يجمعنا , وكان ذلك في فيلا صديق حميم له هو المستشار الفاضل أحمد الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارة النقل والمواصلات , وقد جمع الأخير العديد من الزملاء على مائدة الغذاء بكرمه المعهود , وتجاذبنا أطراف من الحديث معاً , وقد وجدته رحمة الله عليه إنسانا بمعنى الكلمة , اَثرنى بدماثة خلقه , وطيب قلبه الأبيض بلون الثلج، وكان حديثه معى  بنقاءِ الماء العذب ، وخَياله الملهم باتساع السماء، لَديهِ قُدرة عجيبة على التسامح بلِا حدود ، والحلم الجميل والانغماس فيه إلى آخر قطراته ، لا ينتظر مرارة الأحزان من يد صافحته ، كان حديثه معى كلوحة مُلونة بالتفاؤل ، فصار حديثاً شائقاً يمنح قلوب الزملاء من حولَه ثِقة متناهِية ، فعيناه لا تلمح اللون الأسود في الحياةِ .

إن القلوب البيضاء  مثل قلبك يا أحمد ترافقها حسن النية بالآخرين دائماً , وتلك القلوب لا تعرفُ الظنَّ السيئ ، ولا تعرف الخيانة ، ولا يذيقون سواهم مرارة الغدر ، ولا يجيدون التخفي والإخفاء، ويفشلون في ارتداء الأقنعة , يبدؤون حياتهم بنقاء ، وينتهون في عمرهم بوفاء حتى الموت , فكم كنت تخالق الناس بخلق حسن ، والطيبة الكامنة فيك هي انتصار الإنسان على النفسِ الأَمارة بالسوءِ , وكم كنت تساهم  في بناء مدن الفرح بيننا ، وكم كنت تسارع لترميم انكسار القلوب ، وكم أشعرتنا من فرط نقائك وكأنك اخترعت الصفاء على أرض العدالة الإدارية في مصر الكنانة .

صحيح أن البعض يمسك بالقلم , وكان يعرف أنك ستأتى رئيساً لمجلس الدولة في يوم ما , لكنها الأقدار ومشيئة الله , ويقولون إن الكلام هو معجزة الإنسان ، ويقولون أيضاً أن الصمت حكمة , وبين الكلام والصمت أجدنى أتأمل في صنع الله وقدرته , لكن الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. واُشهد الله أنك إنسان لا يعرف الحقد، ولا يعرف الضغينة ، ولا ينتقم أبداً ، ويسامح بكل يسر , فلا يُمكن أن نحذف صفحة من صفحاتك الناصعة في مجال عدالة القضاء الإدارى من قاموس حياتنا , لأنها راسخة في وجداننا قبل ذاكرتنا، فقلبك ناصع البياض يقفز على سطورها السوداء، وستبقى يا أحمد في ذاكرة مجلس الدولة  نسمة لطيفة مع شريط الذكريات.  وسنجعل من بياض قلبك وطيبته سحابة نقية تعلو فوق الغيوم السوداء  الملبدة بالحقد والكُرهِ والأنانية ، لتمطر عليها طيبة ومحبة وطهارة وصفاء ، لعلها تزيل من القلوب السوداء  بعضَ ما خلفته صعاب الأيام من سواد ---  لقد غيبك الموت وأنت تعطي دون أن تأخذ ، يا صاحب القلب الطيب ، يا أيها القاضى الجليل الذى لبيت بنبل نداء الرحيل , لن ننساك ما حيينا , وسنظل ندعوا الله لك بالمغفرة في الفردوس الأعلى من الجنة ... رحم الله أخى وزميلى وحبيبى المستشار أحمد زكى واسكنه فسيح جناته .

 

 

نائب رئيس مجلس الدولة