عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

حتى سنوات قليلة مضت لو أنك سألت أي صحفي محترف عن المشروع الذي يتمنى تحقيقه لو أن الظروف أتاحت له ذلك لأجابك على الفور: موقع إخباري إلكتروني، فهو امتداد لعمله المهني، والأمر لا يتطلب الكثير: مقر صغير ممكن الاستغناء عنه إذا لم تكن الأمور المادية ميسرة، «سيرفر».. ممكن يكون ضيافة على إحدى المؤسسات التكنولوجية، و«دومين» بمبلغ رمزي، ومصمم مواقع من «أبو تعريفة» ممكن الاستعاضة عنه بابن أحد أبناء المجموعة المشرفة من المهتمين بالكمبيوتر في مرحلة الثانوي!!، ومجموعة من طلبة الإعلام الراغبين في التدريب المجاني، وبعض الصحفيين المبتدئين المؤمنين بمبدأ «نكبر سويًا»! وفي النهاية الجهد المطلوب غير كبير وإذا ضاقت الأمور فـ «الكوبي» – النسخ – و«البيست» – اللصق - يقومان بالمهمة بشكل جزئي، والعائد شبه مضمون على الأقل من خلال إعلانات جوجل!!.

وإذا كان التطور التكنولوجي يسير بسرعة البرق، فإن الأمر يكاد أن يكون على النحو ذاته على صعيد الصحافة الإلكترونية التي يمكن القول بصددها بأنه «راحت السكرة وجاءت الفكرة» وبات على هذه المواقع أن تواجه الحقيقة المرة بأن الأمور ليست وردية تماما وأن الطريق غير مفروش بالورود وأن النجاح تحول دونه العقبات، وأن تأسيس المواقع الإلكترونية كمجال للعمل الصحفي لم يعد مجالا للهواة وإنما صناعة ثقيلة تتطلب رأسمال كبيرًا، والمثال في ذهني حاضر.. موقع تابعت منذ سنوات عن قرب إنشائه لمجموعة من الصحفيين الكبار غير المقتدرين تعثر في مراحله الأولى، فيما ازدهر موقع آخر تواكبت نشأته مع الأول وما زال متواصلا ويحتل موضعًا لا بأس به لأنه يقف وراءه رجل أعمال من الوزن الثقيل ويقف على أرضية سيراميكية متميزة!!

وإذا كان يمكن القول إن من تداعيات ما بعد ثورة يناير أفول الصحافة الورقية على نحو ما أشرت إليه في مقال الاثنين الماضي وتشير الأمور إلى تحققه على خلفية قرار رفع أسعار الصحف الأسبوع الماضي، فإنه قد يكون من الغريب القول بأن من بين هذه التداعيات كذلك تراجع الصحافة الإلكترونية التي كانت سببًا رئيسيًّا في حدوث هذه الثورة. أما لماذا هذه الرؤية، ففي السطور التالية الأسباب:

 راجع المواقع الإلكترونية الإخبارية بنفسك أو استعن بموقع «إليكسا» فستجد أن تلك التي يمكن اعتبارها رائدة لا تتجاوز عشرة مواقع على أصابع اليدين بأي حال من الأحوال، وستجد أنه يقف وراءها كلها دون استثناء:  مؤسسة ما أو مستثمر كبير، أو حزب أو الدولة ذاتها بالنسبة للمواقع الرسمية، لأن المواقع لم تعد بالمعنى الدارج تأتي بـ «همها»! خذ أكبر موقع إخباري في مصر ستجد أنه من المستحيل أن تغطي إعلاناته أيًا كانت قيمة ميزانيته وإنما هناك مصادر أخرى للتمويل.

إذا أضفت إلى ذلك عاملا آخر قد يكون أكثر أهمية، وهو التطور التكنولوجي الذي تعتبر المواقع الإخبارية ذاتها من نتاجه، يمكنك أن تستوعب بشكل أفضل الفكرة التي أود الإشارة إليها. يتمثل هذا في التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي من «فيس بوك» و«تويتر» و«واتس آب» و«إنستجرام»، والتي يصح أن يطلق عليها وسائل الإعلام الجماهيرية، والتي لا توجد إدارة مركزية تقوم على إدارتها وإنما تقدم خدماتها الإعلامية بشكل ذاتي ودون تنسيق، حيث أصبحت هذه الوسائل أحد أكبر مصادر الأخبار سواء للصحافة الورقية أم الإلكترونية، حتى أنه يمكن القول إن هذه الوسائل تدخل بحق فيما اصطلحت الصحافة الإلكترونية على تخصيص قسم خاص له تحت عنوان «صحافة المواطن».. وهو القسم الذي ربما خرج عن السيطرة وأصبح يغرد وحده ويهدد عرش الصحافة الإلكترونية.

ويزيد من مساحة هذا التأثير تطوير المواقع العالمية لوضعها مثل «ياهو» وغيره ليتحول هو بالتالي إلى منصة إخبارية ربما تغني إلى حد ما عن الاعتماد على المواقع الإلكترونية، فضلا عن ظهور بعض التطبيقات الإلكترونية التي تشبه النبات المتسلق وتقدم الأخبار فيما يشبه كبسولة الغش في الامتحانات، والتي يمكن أن تعد حصان طروادة بالنسبة للصحافة الإلكترونية!

ويعزز من هذه الحالة على المستوى المصري الظرف السياسي الذي تعيشه البلاد وأدى إلى قدر من الحساسية والحذر في التعامل مع فكرة ترك الحبل على الغارب لمؤسسي المواقع الإلكترونية والسعي إلى وضع ضوابط لعملها بفعل اتساع نطاق تأثيرها، وهو ما تراجع بأعدادها ومستوى نشاطها وحجم عملها، هذا فضلا عن التفكير الجدي في فرض ضرائب على إعلانات هذه المواقع وهو ما قد يكون له تأثير بالغ السلبية، بعيدا عن مدى شرعية هذا الإجراء كحق للدولة، على المواقع الإلكترونية.

«ربما» وأقول ربما لعدم التأكيد، لهذه الأسباب يمكن القول، على عكس ما يتصور الكثيرون، إن المواقع الإلكترونية لا تمثل التعويض المأمول بديلا عن تراجع الصحافة الورقية، وأنها «سبوبة» لم تعش للأسف طويلا، كما كان يأمل قطاع كبير من الصحفيين!

[email protected]