عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

 

 

 

ستقف ومن حولك محتبس الأنفاس مبهوراً، تراقب فى دهشة ورهان داخلى على نسبة نجاحه، تراقب يديه الصغيرتين وعينيه المسحوبتين الدقيقتين وهى تحدق فى تلك الحبة الصغيرة، والقلم بين أصابعه فى ثبات ذو سن «إبرة» يكاد لا يرى بالعين المجردة، يعمل فوق الحبة، فيكتب اسمك، اسم حبيتك، اسم الله وما شاء الله، كلمة.. كلمتين.. جملة قصيرة، كل هذا سيكتبه أمامك بخط منمنم لن تراه على حبة الأرز، سيضع الحبة داخل قارورة صغيرة أو أنبوبة لها شكل جمالى ومليئة بسائل زيتى، سيغلق الأنبوبة بغطاء به «حلقة معدنية دقيقة» وسيدخل فيها سلسلة أو شريطاً أسود بديعاً، كل هذا سيتم أمامك فى دقائق، وعندما يضع حبة الأرز فى السائل الزيتى، ستقرأ ما كتبه بخط لا يرى وكأنه تحت عدسة مكبرة، ستأخذ السلسلة أنت ومن معك مبهورا فى بهجة، ولن تتردد فى دفع ما يطلبه منك، تقديرا لهذا الفن والدقة والصبر والحنكة، فكل شىء من مفردات إتقان العمل وإبداعه والإصرار عليه ستتلخص فى أداء هذا الشاب أو الفتاة الصينية التى تروج لهذا الفن لدينا، فى المولات أو أماكن التجمعات والأسواق وفى أى مهرجانات وأعياد.

الكتابة على حبة أرز، اعتبرها كلمة السر للشعب الصينى، رمز حى للإصرار على العمل من أجل لقمة العيش، والصبر على إتقان هذا العمل مهما كان متواضعاً، الكتابة على حبة الأرز أرى فيها شفرة الشعب الصينى، الشعب العامل بلا ملل أو كلل، المصر على النمو والتقدم، الذى يسعى للكسب من أى صناعة لو بسيطة وعدم الوقوف مكتوفى الأيدى أمام تحديات الفقر والبطالة، شعب الصين مثل «سوره» العظيم، عدد أكثر من مليار و300 مليون نسمة، كأكبر دولة فى العالم سكانا، وتجربته فريدة فى الإنتاج والعمل وتحدى الفقر والتحول من دولة نامية إلى دولة متقدمة، ودولة فى مقدمة مجموعة دول «بريكس» الخمس الأعلى نمواً فى العالم.

«من لا يعمل لن يأكل»، هذا الشعار الذى اعتمدت عليه الصين، فما ستزرعه يداك ستحصده وتأكل منه، ومن هنا كانت خطة الإصلاح التى تحتفل الصين بذكراها الأربعين هذه الأيام، خطة لا تعتمد على أداء الحكومة، بل على أداء الشعب قبل الحكومة، فكانت الصناعات الصغيرة هى المحور، والتى دخلت كل بيت وعملت بها كل الفئات البسيطة والفقيرة، لا يوجد صينى واحد لا يمتهن مهنة ولا يحترف حرفة يتكسب منها، الحكومة ليست وحدها المسئولة عن تشغيله، بل هناك حرف ذات الابتكار والإبداع، فقط تفتح لها الحكومة الأسواق فى الخارج، فالقفزة الاقتصادية الأولى للصين اعتمدت على الاقتصاد التجارى، أى الترويج التجارى للمنتجات سواء فى الداخل أو الخارج، ولننظر لأسواقنا المصرية، والمكتظة بالمنتجات الصينية من الإبرة إلى الأجهزة الكهربائية إلى الهواتف وكل آليات التقنية والأثاث المنزلى وغيرها المئات، لا يخلو بيت مصرى من أكثر من منتج صينى.

الصناعات الصغيرة وفتح أسواق التجارة أمامها بالخارج هى عصا موسى التى شقت بها الصين طريقها إلى العالم، لتنقذ اقتصادها، وتنقذ الفقراء والمحتاجين، على التوازى من الاقتصاد التجارى، كانت هناك خطة محكمة لمكافحة الأمية التى انخفضت من 30% إلى 3% حاليا، والنهوض بالتعليم العالى، وإشراك خريجى التعليم العالى فى إدارة عجلة الإنتاج بمعدل 25% بعد أن كانت نسبة مشاركتهم 0٫5% قبل أربعة عقود، بجانب الانفتاح على العالم الخارجى ليس من خلال منظمة التجارة العالمية، بل من خلال اتفاقات وشراكات عقدتها الصين بصورة مكثفة مع أى دولة ترى إمكانية إقامة مصالح تجارية معها، ومنها توجهها لأفريقيا من خلال مبادرة أطلقتها تحمل اسم الحزام والطريق، والتى من خلالها تسعى الصين لإقامة علاقات استثمارية واقتصادية وثيقة مع 60 دولة منها أفريقيا، بشرط توافق المشروعات مع متطلبات البيئة النظيفة.

القوانين بالصين صارمة فى المخالفات والفساد، وحملات تطهير الفساد لا تتوقف، فالفساد أقوى معول هدم لأى جهود تنمية اقتصادية واستقرار.. ولنا فى التجربة الصينية بقية من حديث.

 

[email protected]