رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى الفيلم الأمريكى «الحياة السرية لوالتر ميتى» – إنتاج 2013 – يستدعى أصحاب مجلة شهرية الصحفيين والعاملين بالمجلة ليخبروهم أن العدد القادم هو آخر إصدار ورقى وأنه سيتم الاكتفاء بالنسخة الالكترونية والاستغناء عن عدد من العاملين بالورقى وإلحاق الآخرين بالإلكتروني. هذا هو ملمح من ملامح مستقبل الصحافة الورقية فى العالم وإن كانت تداعياتها قد تختلف من بلد لآخر، ومن المتصور أن تأثيراتها ستكون بالغة السلبية فى مصر، وفى السطور التالية حجتى لتبنى تلك الرؤية.

بعيدا عما كتبته الأسبوعين الماضيين بشأن الأحوال المادية السيئة للصحفيين فى مصر، فإن المستقبل يحمل ما يتجاوز الماديات إلى مسائل تتعلق بوجود المهنة من الأساس، ونظرة سريعة على حال توزيع الصحف يكشف ذلك، فوفق آخر إحصائية - وربما تراجعت الأرقام أكثر فى الفترة الماضية - فإن إجمالى حجم توزيع الصحف اليومية بأكملها لا يتجاوز بأى حال من الأحوال 650 ألف نسخة، تشمل بالطبع جميع الصحف الحكومية وكذلك المستقلة والخاصة والحزبية، وهو رقم يقل كثيرا عما كانت توزعه صحيفة واحدة قبل أكثر من عقدين.

كل الدراسات تشير إلى أن ازدهار الإنترنت ألقى بتأثيره السلبى على توزيع الصحف وانتشارها. والمعنى الوحيد لهذا التطور، هو أن مستقبل الصحافة الورقية كمهنة يضيق وقد يشهد خروج عدد كبير من أبنائها من سوق المهنة، على خلفية الاستغناء عن أعمالهم فى ضوء حقيقة أن وجودهم لم يعد له لازمة، واذا شعرت أن فى حديثى مبالغة فعليك بالعودة إلى مقال الزميل عبد الفتاح الجبالى فى الأهرام الأسبوع الماضى وفيه يشير إلى أن معظم المؤسسات القومية أصبحت تعجز عن توفير الاجور الشهرية لنحو 30 ألفا من العاملين بها ما بين  صحفى وادارى وعامل. وقد سبقنا فى ذلك العديد من الصحف العالمية والعربية وكان آخرها صحيفة الحياة اللندنية التى ساهمت فى تشكيل وعى وعقل أكثر من جيل.

من العوامل الأخرى التى تشير إلى بؤس مستقبل الصحافة الورقية ارتفاع تكلفة إصدارها بشكل تنوء عن تحمله المؤسسات المختلفة التى تقوم على إصدار هذه الصحف خاصة أم عامة، حيث يصل متوسط تكلفة الجريدة لنحو 7 جنيهات فى حين أنها تباع بسعر جنيهين وهو ما يعنى أن المؤسسة التى تملك الجريدة تدفع أكثر من خمسة جنيهات فى تكلفة النسخة الواحدة. وفى ضوء تراجع سوق الإعلانات بشكل كبير مما أثر على حال الإعلام ككل وليس الصحف الورقية فقط، فإن ذلك يمثل ضغطا اقتصاديا على ميزانيات المؤسسات التى أصبحت مكبلة بالقروض التى قد تنفجر فى وجهها فى المستقبل القريب مهما عملت على تأجيل هذا الانفجار، وهو ما قد يدفعها الى ما يمكن وصفه بـ «التآكل الذاتي» من خلال التخفيض الاجبارى لعدد نسخها، لتقليل خسارتها، والذى قد يصل فى يوم من الأيام إلى الصفر أو بمعنى آخر الإغلاق!

وقد انعكس هذا التطور فى شكل يحد من تأثير الصحافة الورقية من خلال تخفيض صفحات الصحف إلى حد يخل بدورها الإخباري، حيث وصلت إحدى الصحف اليومية مثلا لعشر صفحات، وهو ما قد يقلل من قدرة الصحف على اجتذاب القارئ بفعل تراجع المادة الصحفية التى تقدمها، فى ظل وجود وسائل أخرى توفرها وبالمجان!

على المستوى الزمنى المتمثل فى الحاضر والمستقبل القريب بدأت إرهاصات هذه التحولات فى أزمات تلاحق الصحف وبشكل خاص غير الحكومية، بشكل يتوقع معه العليمون بالأمور توقف بعضها قريبا مع ما قد يمثله ذلك من إضافة أعداد غير قليلة لسوق بطالة العاملين فى الصحافة. والمشكلة أن الدولة، التى تمثل حلاّل الأزمات، تعجز فى وضعها الحالى عن التدخل على شاكلة ما فعلت من قبل مع صحف مثل «الشعب» و"التعاون الزراعي" وغيرهما من توزيع منتسبيها على الصحف القومية، فى ضوء معاناة هذه الأخيرة من تضخم تسعى معه للتخلص من بعض عناصرها.

أما على صعيد المؤسسات القومية، فيبدو من المطروح وهو ما يمكن استنتاجه من حوار أخير أجرى مع أسامة هيكل، ان الدولة ترى ضرورة أن تبحث هذه المؤسسات فيما يمكن وصفه بمأزق ميزانياتها، من خلال اعادة النظر فى إصداراتها الخاصة، وأقل الحلول ضررا فى هذا الخصوص هو تحويلها إلى مواقع الكترونية بديلا لوقفها تماما لما يترتب على هذه الخطوة من مشاكل لا ترغب الدولة فى حدوثها على الأقل فى هذه المرحلة، وفى كل الحالات فإن أى خطوة على هذا الصعيد تمثل مأزقا للصحفيين المنتسبين لتلك المؤسسات.. المشكلة أن مأزق الصحافة الورقية قد يمتد ليطال الصحافة الإلكترونية وهذا هو موضوع حديثنا المقبل إن شاء الله.

[email protected]