عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

شعار غريب هذا الذي اختاره «السعدني» ليزين جريدة «الفجر».. جريدة «الضميرالعربي».. و«الخليج العربي»!!

في تلك الأيام من عام 1975 كانت إيران هي سيد المنطقة بلا منازع الذي يخشاه الجميع بما فيها العراق، وكانت أي إشارة للخليج تخلو من نسبته إلى العرب، في حين جاءت كل الخرائط الإيرانية لتشير إلى أن الخليج ما هو إلا الخليج الفارسي.. وكنا نرى بوارج تمخر عباب الخليج يمكنك أن ترى العلم الإيراني يرفرف فوقها دون أن يعترض أحد أو حتى يبدي غضباً ما.. لذلك فقد أثارت «الفجر» أولاً غضب نظام شاه إيران، وثانياً غضب نظام الرئيس «السادات».. وقبل أن نكمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ستة أشهر تم استدعاء «السعدني» من قبل الشيخ أحمد خليفة السويدي  والسيد علي الشرفا، رئيس الديوان الأميري، وقالا له إننا دولة صغيرة لسنا في حجم إيران ولا نستطيع أن نعادي نظام حكم الرئيس «السادات».. وطلبا من «السعدني» أن يرفع عنهما الحرج وأن يغادر الدولة في أسرع وقت ممكن.. وقبل ذلك رفع هذا الشعار الذي يشير إلى الخليج العربي نهائياً.. وهنا طلب «السعدني» من المسئولين الكبيرين طلباً واحداً لا غير وهو أن نكمل العام الدراسي، خصوصاً أنه لم يتبق علي نهاية العام سوي شهر ونصف الشهر، وقوبل طلبه بالرحب والسعة.. وغادر «السعدني» أبوظبي واحتفظ بإقامته على جواز سفره واتجه إلى الكويت، حيث اتفق هناك على كتابة عمود يومي في الصفحة الأخيرة لجريدة «السياسة» الكويتية.. وأمضينا ما تبقى لنا في الدراسة، وانتهى العام الدراسي وانتظرنا أسبوعاً واحداً لمعرفة النتائج، وخرجنا هالة وأمل وأنا بملاحق تستدعي دخول الدور الثاني بعد ثلاثة أشهر.. وغادرنا بعد ذلك إلى القاهرة في حين أقام «السعدني» في الكويت، وبعد عدة أسابيع طلبني للإقامة معه، وبالفعل ذهبت إليه، حيث استأجر شقة في شارع اسمه حولي، وكان له مكتب في جريدة «السياسة» الكويتية، وتولى مسئولية إصدار ملحق للسياسة كل يوم اثنين.. وكعادته اكتشف «السعدني» مواهب مدفونة في صحراء الصحافة الكويتية ومنح الفرص لعدد من الكتاب لم تكن مهمتهم أساساً هي الصحافة لكنهم كانوا موظفين يمارسون الكتابة في أوقات الفراغ، منهم شاب اسمه رجائي العشماوي، هذا الرجل عندما قرأ «السعدني» ما يكتبه اندهش وانبهر وفرح من أعماق قلبه.. ثم سأل الرجل: «انت عمرك ما كتبت في أي جورنال قبل كده»؟.. وأقسم الرجل انه هاوٍ وأنه من عشاق مدرسة «السعدني» في الكتابة الساخرة.. وإليه أسند «السعدني» مسئولية الصفحة الثانية في الملحق لكن رجائي العشماوي استسمح «السعدني» أن يوقع بالأحرف الأولى حتى لا تتسبب كتاباته في فصله من عمله الأساسي.. ووافق «السعدني» على طلبه.. والشيء الغريب أن كل الخطابات التي كان يبعث بها القراء كانت تعاتب «السعدني» لأنه يكتب بأحرف مستعارة متسائلين عن سر عدم كتابة اسم «السعدني» على ما يكتبه من مقالات وموضوعات.. وعندما قرأ «العشماوي» هذه الخطابات لم يفرح ولم يحزن وأصر على الكتابة بالأحرف الأولى.. وفي نفس الملحق كتب الأستاذ علي الراعي والعم ألفريد فرج والفنان كرم مطاوع، وشارك رسام الكاريكاتير الكبير حجازي برسومة.. لكن أغرب شيء في جريدة «السياسة» الكويتية انها كانت جريدة مصرية الهوية وهي مع أي حاكم مصري تناصره وتؤيده باعتبار أن مصر هي الدولة العربية الأكبر والأخطر والأهم.. وكان أحمد الجارالله، رئيس تحريرها، يكتب مقاله الافتتاحي مؤيداً ومباركاً ومسانداً كل خطوات «السادات».. وفي الصفحة الأخيرة كان «السعدني» لـ«السادات» بالمرصاد ينتقد مخططاته لإبعاد مصر عن الصراع العربي- الإسرائيلي ولهفته على توطيد علاقاته بالكيان الإسرائيلي.. وأحدث «السعدني» حركة في المجال الصحفي في الكويت، وكان لكتاباته صدى شديد التأثير لدرجة أن صاحب جريدة كبرى وهو أيضاً رجل أعمال يشار إليه بالشيكات والفرانكات والدولارات طلب «السعدني» وعرض عليه أن ينتقل للعمل في جريدته وبضعف الراتب الذي يتلقاه من أحمد الجارالله.. وهنا استوقف «السعدني» صاحب الجورنال الشهير وقال له «أنا ماعنديش أي مانع أنقل المقال بتاعي في الجورنال عندك لكن انت مش هتقدر  تدفع اللي أحمد الجارالله بيدفعهولي» وهنا اندهش الرجل ونظر لـ«السعدني» وقال إن استثماراتي في الكويت وخارجها تمثل مائة ضعف ما يملكه «الجارالله»،فقال له السعدني: «حكاية الفلوس  دي هي آخر حاجة بافكر فيها لأن فيه حاجات عندي أهم من الفلوس بكثير» فسأله الرجل: «زي إيش»؟.. فقال «السعدني» «أنا أدخل على (الجارالله) في مكتبه دون موعد ودون استئذان».. ورد الرجل «لكن هذا ما يصير.. أنا عندي مشاغلي وأعمالي وأدير مليارات».. ويكمل «السعدني» «ولما باقابل (الجارالله) قدام أي حد باقول ياابن الـ...».. وساعتها ضحك الرجل ضحكة استنكارية وهو يقول لـ«السعدني» «أنا والله ما حد سبني ولا حتي أبوي».. وهنا قال «السعدني» للرجل إياه: «أهي كل الحاجات دي عندي بفلوس وأغلى من الفلوس كمان». ويضيف: «انت عارف إن (الجارالله) عمره ما قرأ المقال بتاعي إلا بعد النشر»؟!، واعتذر الرجل لـ«السعدني» بأنه لا يستطيع أن يوفر له هذه الأشياء.. وهنا اعتذر «السعدني» بدوره عن عرض الرجل.. وظل «السعدني» سعيداً بالكتابة في «السياسة» الكويتية يكتب ما يشاء وينتقد من يشاء حتى المجتمع الكويتي والمسئولين في الكويت دون أن يلفت نظره أحد أو يعاتبه مخلوق.. واشترى «السعدني» سيارة شيفروليه اسمها «نوفا»، وتدخل مسئول كبير لكي يحصل «السعدني» على رخصة القيادة، وبالفعل ذهب لمقابلة ضابط مرور برتبة رفيعة قال له إن هناك توصية من أعلى على كاتبنا الكبير لكن لا مفر من امتحان القيادة.. فقال له «السعدني»:

«أنا باسوق عربيات من يجي خمسين سنة».. فضحك الضابط وقال: «يعني المسألة روتينية مش أكثر».. وقام «السعدني» ليؤدي اختبار القيادة وركب إلى جانبه أحد موظفي المرور يرتدي جلباباً وغطرة وطلب من «السعدني» التحرك والسير في الشارع.. وانطلق «السعدني» يقود السيارة الشيفروليه وكان الطريق مزدحماً فاحتك بسيارات قريبة وكسر إشارات للمرور وخالف نظام الدخول على الدوار الذي هو عندنا اسمه الميدان والرجل الجالس إلى جانبه ينظر إليه في عجب.. وبادله «السعدني» النظرات فإذا بالرجل يقول له: أرجوك يا أستاذ ممكن توقف السيارة الحين؟.. ويسأله «السعدني» لماذا.. فيطلب إليه الرجل بنبرة هادئة: أرجوك. وتتوقف السيارة وينزل الرجل وهو يقول لـ«السعدنى»: انت ح تحصل على الإجازة «الرخصة» لكن فى الحقيقة يا أستاذ أنا شفت كثير وقليل واختبرت ناس بعدد شعر الرأس أنا ما شفت فى حياتى كلها أحد يسوق سيارة بمثل هذه الطريقة.. ويرد عليه «السعدنى».. طيب أنا ح أجيب لك حقك بس اركب علشان أوصلك للإدارة بتاعة المرور.. فيضحك الرجل ويقول.. ما هو أنا عاوز أوصل علشان كده نزلت من السيارة ولو فضلت راكب  مش ح أوصل أبداً..  كفاية اللى صار لى.. أنا أعصابى ادمرت تدمير.. على العموم مبروك الرخصة يا أستاذ!! وهو يضحك بشدة.. يرد «السعدنى»: الله يبارك فيك والنبى تتفضل خمسة!! ولكن يمضى الرجل الى حال سبيله وينظر «السعدنى» الى شخصى الضعيف قائلاً: أما راجل مجنون صحيح.. وأنا أضحك من الأمعاء.. قلت: ده راجل طلع عاقل فعلاً.. العربية ماشية زى المركب فى البحر ده الراجل نجا بحياته وهو يخفى ضحكة من القلب.. قال لى «السعدنى».. آه يا ابن الكلب!!

عاد بي «السعدنى» إلى ذكرياته القديمة مع السواقة.. وقال: أول مرة جبت عربية اسمها بيبى فورد وذهبنا بها الى الاسماعيلية وكان خالك عبدالرحمن شوقى هو اللى بيسوق من القاهرة لحد الإسماعيلية، وهناك كان ح يعلمنى السواقة وفعلاً قعدت مكان السواق وقال: تدوس بنزين وبعدين تنقل الفتيس.. عملت كل الحاجات دى تمام التمام وعال العال بس فجأة لقيت العربية بتجرى لوحدها، و اتجننت فى السرعة ودخلنا على صوان للعزاء.. خالك قعد يصرخ.. اضرب فرامل..  اضرب فرمل وأنا أدور على الفرامل مش لاقى حاجة.. شديت الدريكسيون لقيته طلع فى أيدى قمت إديته لخالك وقلت له: سوق انت.. وفى الآخر خبطنا فى حيطة ونزل جميع الناس اللى فى الشارع وفى الصوان واللى معاه شومة وحديدة وسكينة وكل الناس جريت وخالك قدامهم وأنا قدام الجميع لحد ما ما دخلنا بيت راجل اسمه عم أبوحسن..دخلنا في البيت وخرج أبوحسن ده للناس وقالهم: «دول ضيوفي واللي انكسر عندي» ومن يومها عمك أبوحسن من أعز الناس عندي، كان صاحب هيبة وله كلمة مسموعة فى كل الإسماعيلية.. وقلت لـ«السعدنى» الجميل.. بس لو الحكاية دى حصلت لنا فى الكويت منين ح نجيب عم أبوحسن علشان يدافع عنا.. ويقول «السعدنى»: أنا بقيت أسوق أحسن من خالك اللى علمنى، وبعدين الشوارع هنا كبيرة ومريحة وما فيش زحمة.. وأهو كلها كام يوم وح نبعت نجيب أخواتك وأمك وتدخلوا مدارس هنا.. على الأقل الجماعة دول عندهم صحافة حقيقية وصحفيين من كل العالم العربى.. والحق أقول إن الكويت استطاعت أن تستولى على مساحة فى قلب «السعدنى»، فالحرية التى كانت تتمتع بها الصحافة الكويتية ليست متواجدة فى منطقة أخرى على امتداد الساحة العربية، وفى الكويت استطاع «السعدنى» أن يربى صداقات استمرت طويلاً، وهناك أيضاً التقى بأصدقاء الزمن الجميل، الأستاذ أمين عز الدين الخبير العمالى الذى هجر مصر بعد قدوم «السادات» وكان هو والسيد عبدالمنعم النجار مسئولين عن توصيل السلاح إلى قادة الثورة الجزائرية عند الهرب من ليبيا وتونس.. والصحفى الكبير المهضوم الحق سعد  زغلول فؤاد، والكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، رحم الله الجميع  ومن أهل الكويت كان هناك أحمد الجارالله، والعم سعود العمر وهو رجل أعمال كان متابعاً لكتابات «السعدنى» منذ الخمسينيات، وعندما التقى الرجلان تعانقا وكأنهما يعرفان بعضها بعضاً من عقود طويلة وكان سعود العمر عروبياً حتى النخاع يؤمن بأن مصر هى رمانة الميزان فى العالم العربى.. وأن أحوالها إذا صلحت صلحت الأمة بأسرها.. وكان قارئا نهمًا لم يترك كتاباً أو مجلة أو جريدة أو مطبوعة صدرت من مصر إلا وقرأها لذلك فقد كان الجلوس الى سعود العمر والحديث معه شائقاً ممتعاً، بالاضافة الى أنه شارك «السعدنى» فى ميزة مهمة جداً هى قدرته على السخرية.. وكان سعود العمر أشد الناس فرحاً بما يكتبه «السعدنى» منتقداً بعض سلبيات المجتمع الكويتى، والأمر العجيب أنه حتى المسئولين فى الكويت لم يبد أحد فيهم اعتراضاً على ما كان يكتبه «السعدنى» وهكذا مضت الأمور بنا من طيب إلى أطيب.. واستدعى «السعدنى» بقية أفراد الأسرة، وحملت الحاجة أم أكرم معها مرة أخرى الأوراق والمستندات.. وسافرنا الى أبوظبى من أجل أداء امتحان الملحق.. ولم يمر سوى ثلاثة أشهر على مغادرتنا للمدينة لكن الذى جرى لأبوظبى كان لا يمكن لأحد أن يصدقه ولا لعقل أن يدركه، كيف انشقت الأرض عن هذه المعجزة؟!.. بنايات أشبه بناطحات السحاب فى أمريكا وبدأت الخضرة تنتشر بشكل عجيب فى كل أرجاء العاصمة، وفرحنا بما جرى لأبوظبى ولكن يا فرحة ما تمت.. لقد خصصوا لنا سيارة من وزارة الإعلام لكى تصاحبنا أثناء تنقلاتنا، وكان السائق رجلاً بدوياً طيباً إلى أقصى مدى لا يعرف شيئاً داخل المدينة سوى مقر وزارة الإعلام ومنزله، لذلك عبثاً حاولنا وسط حالة العمار الهائلة التى شهدتها أبوظبى أن نصل الى مدرسة أبوظبى الثانوية للبنين، لكن ذهب جهدنا كله الى العبث.. وفى النهاية استأجرنا سيارة تاكسى لكى تسير أمامنا وتدلنا على الطريق.. وعندما بلغنا الهدف مدرسة أبوظبى الثانوية للبنين كان قد مر على الامتحان ساعة وربع الساعة ورفض الاساتذة أن ندخل الامتحان الا بشق الأنفس.. المهم اننا  امتحنا وأدركنا النجاح، وسحبنا أوراقنا هالة وأمل وأنا وعدنا الى الكويت، وقبل أن نتقدم الى المدارس بأوراقنا خرج علينا فى التليفزيون الكويتى الشيخ جابر الأحمد الصباح ولي العهد فى ذلك الوقت ليعلن أن ما جرى أمر لا يمكن السكوت عليه، وهناك تدابير سوف تتخذ بشأن كل من تسبب فى تعكير صفو العلاقات مع الاشقاء، وأنهى خطابه بجملة كررها ثلاث مرات «حمى الله الكويت وشعبها من كل مكروه».. ولم نفهم شيئاً ولا ماهية هذا المكروه وكيف أصاب الكويت ومن الذى أطلقه الا عندما استدعى أحد المسئولين الكبار «السعدنى» وطلبوا جواز سفره وأمهلوه أسبوعاً لمغادرة الكويت وكتبوا على جواز السفر يغادر المذكور فى ظرف أسبوع واحد.. وكان معنا اكثر من «25» مصرياً يعملون فى الكويت من بينهم سعد زغلول فؤاد وأمين عز الدين اللذان قررا الذهاب الى العراق ومعهما أيضاً قرر السعدنى أن يجرب حظه فى بلاد الرافدين إما مقيماً أو عابراً الى سوريا فقد اسودت الحياة فجأة فى عين «السعدنى» فلم نكد نصل الكويت حتى فوجئنا جميعاً بهذا القرار العجيب الشأن، وقبل أن ينتهى الأسبوع جمعنا أغراضنا فى سيارة نقل كبيرة وتبعناها الى حيث أرض الرافدين بلد أبونواس وهارون الرشيد.. العراق الذى كان بالنسبة لنا بلد الأحلام والتاريخ والمجد التليد!!