عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

أنحنى إعجابا وتحية للبسطاء جداً من أهل بلدى، إنهم «يتحسسون» أسباب الحياة ويتمسكون بأنفاسها حتى من بين الأموات فيسكنون المقابر، ويقيمون أفراحهم بين أحزان الثكلى، لعجز الدولة عن توفير مساكن تؤويهم، يشترون بقايا الأطعمة التالفة من الأسواق لرخصها ليسدوا جوعهم وأفواه أبنائهم مع ما تحمله البقايا من أمراض وسموم، يضعون الأحجار فوق سيلان المجارى المتفجرة بأحيائهم المهملة المنسية من المحليات، ويجعلون من الأحجار جسورا يعبرون فوقها لأعمالهم ومدارسهم، «يتشعبطون» فى السيارات الربع نقل المتهالكة لتنقلهم إلى مقاصدهم وكأنهم «مع حبى واحترامى العميق لهم» قطيع ماشية، بعد أن تحولت تلك السيارات إلى وسائل نقل، لأنها أوفر لهم أو لأنها الوسيلة الوحيدة للنقل بأحيائهم بجانب التكاتك، ولا يتنازلون أيضاً عن حقهم فى التنزه و«شم» الهواء على النيل، حتى وإن احتل البلطجية كل «كورنيش» ورصوا مقاعدهم «عينى عينك» أمام البلديات المتواطئة وسرقوا الكهرباء من الأعمدة العامة، وأجبروا من يطلبون «نسمة هواء» على دفع الجنيهات ثمناً للمقعد ولحمص الشامى «الحمضان» أو لكوب الشاى البشع المذاق.

البسطاء المطحونون من أهل بلدى بالقاهرة الكبرى أو حتى المحافظات المجاورة، يعشقون القناطر الخيرية، فهى قبلتهم ومتنفسهم فى الأعياد والمناسبات السعيدة أو الإجازات، فتجد رب الأسرة يدخر من قوته مائة جنيه أو أكثر قليلا، وتطهو الأم «حلة المحشى أو المكرونة» وتخرج الأسرة لرحلة نيلية على ظهر أحد المراكب التى تقلهم من أمام ماسبيرو أو منطقة الساحل إلى القناطر، ثمن التذكرة صار الآن عشرين جنيها ذهابا وعودة، يخدعك القائمون على المركب بتأخير قيام الرحلة ساعتين بزعم انتظار مزيد من الركاب، فينطلق المركب الحادية عشرة أو أكثر بدلاً من التاسعة صباحا، أو قد يخبرونك بعد شرائك التذاكر أن المركب سيقلع من أمام منطقة الساحل، فتستقل وأسرتك ميكروباصا على حسابك لهناك، ولتتكلف المزيد من المال والوقت والجهد، وعندما يصل المركب إلى القناطر، سيخبرونك أن العودة الساعة 3 عصرا، ولتخبط دماغك فى الحيط، أى أمامك ساعتان فقط عليك أن تتنزه فيهما وأسرتك جريا أو هرولة بلا أى متعة وإلا فاتك المركب لتعود على حسابك فى مواصلات أخرى، إنهم يحددون لك وقت النزهة.

ليس هذا وحده المهم، الأهم أنك حين تغادر «المرسى»، ستصدم، فلا حدائق ولا زهور ولا أى شىء، رائحة روث الخيول هى الغالبة بسبب «الحناطير» التى يطاردك أصحابها بتمانين ومية جنيه الجولة، صف المحلات كانت من قبل تضج بالحيوية والجمال والبشر، تحولت إلى اصطبلات عشوائية وبؤر لاختباء البلطجية، تنضح بالمخلفات والروائح العفنة، الحدائق العامة «مقرفة» أليس بها مشهد جمالى واحد، الأرض مليئة بالحشائش الجافة والمخلفات، لا مقاعد ولا مظلات، فيما هيمنت فى المقابل كافيهات وكازينوهات أيضاً «مقرفة» على المشهد وستضطر وأسرتك اللجوء إليها هربا من الحدائق العامة، وهكذا، عشوائية، طرق متربة وغير ممهدة، بما فيها الطريق إلى الشلالات الذى استولى عليه بلطجية وزرعوا به خياما قذرة يؤجرونها للراغبين ليستظلوا من الشمس ويتأملوا الشلالات بضع دقائق مقابل ثلاثين جنيها على الأقل.

محافظو القليوبية بمن فيهم الحالى قتلوا القناطر الخيرية التاريخية بجمالها وتحفها الفنية، من يقصدها سيدرك أنها رحلة بائسة لا متعة فيها ولا جمال، أقسم لو هذه القناطر بأى بلد آخر، لتحولت إلى قبلة سياحية عالمية تدر مليارات الدولارات سنويا، لكن المحليات والمحافظين لدينا يتفننون فى قتل الجمال ومد يد الإهمال إلى كل ما هو تاريخى وفنى وجميل، ولا أعلم ما يفعلون سوى الجلوس على مكاتبهم وشرب الشاى، القناطر التى تعد شاهدة على عظمة محمد على فى عالم الرى ومنظومته وتقديره لكل ذرة مياه منحها لنا النيل، القناطر التى يتفرع فيها نهر النيل لفرعية رشيد ودمياط وحاضنة أجمل شلالات طبيعة، وبما حولها من أراض خصبة ممكن تحويلها لمزارع منتجة للزهور والنباتات التى تصدر للعالم، زُرها الآن يا محافظ «دولة» القليوبية، لن تجد فيها سحراً ولا جمالاً ولا سياحاً.. زرها عسى أن تشعر بأى ذنب تجاه بلدك ومسئولياتك.. منكم لله يا قتله الخير والجمال.

[email protected]