رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

تبقى حكاياتهم دليلاً على زمن جميل كان فيه الحرف مسدساً، والكلمة دانة مدفع. سطور سنابل وسطور قنابل ومعارك حامية شرسة لكنها لذيذة تستحق أن تروى.

فى كتابه الشيق «بين الأدب والصحافة» يفتح لنا الصديق الجميل والكاتب النابه وجدى زين الدين نوافذ الإطلال على وقائع مدهشة لحروب الكتبة ودور الصحافة فى استقبال تلك الحروب واحتضانها باعتبارها مادة ثرية لقراء على وعى وثقافة ودراية وذوق فنى.

لم أكن أتخيل أن يكون عصر عبدالناصر بما شهده من انغلاق وأحادية ووجل، محل معارك فكرية ونقدية وأدبية بين رواد عظام أبوا أن يتدثروا بالسكون ويلتحفوا بالطاعة، فخاصموا القطيع وفتحوا صنابير إبداعهم وفكرهم ودخلوا حروباً فى الفكر والمعنى والتجديد.

لم أكن أعتقد أن تتحول صفحات الصحف إلى ساحات قتال بين أقلام عظيمة من عينة طه حسين والعقاد ومحمد مندور وسلامة موسى، حتى جاء صديقنا وجدى زين الدين ووثّق ذلك فى كتابه، ليمنحنا لحظات نور نادرة فى زمن خفتت فيه المعانى، وتسطحت المعارك الفكرية والأدبية.

أندهش وأنا أقرأ عن عباس محمود العقاد، ذلك العملاق المثقف وهو ينتقد شوقى وحافظ إبراهيم، عندما كانا نجمين فى سماء الشعر، بينما كان هو نبتة جديدة، ثم نقرأ كيف تحول فى بداية الستينيات إلى عملاق ورمز للتقليديين والمحافظين وهو يدخل فى معارك جديدة مع شباب صاعد فى ذلك الوقت يبحث عن التغيير والتحديث مثل أحمد عبدالمعطى حجازى ورجاء النقاش.

تفاجئ وأنت تقرأ أن العقاد الذى كان رمزاً للتطور والحداثة انقلب رجعياً متزمتاً وهو يلعن الشعراء الجدد وذلك الفن الذى طوروه وعرف بشعر التفعيلة أو الشعر الحر، واصماً إياه أنه نثر قبيح.

والمثير فى الأمر أن العقاد اتهم شعراء التفعيلة الشباب بالعجز عن كتابة شعر عمودى، ففاجأه أحمد عبدالمعطى حجازى بقصيدة عامودية فى «الأهرام» يهجوه فيها، تضمنت أبياتها «من أى بحرٍ عصى الريح تطلبه / إن كنت تبكى عليه.. نحن نكتبه / أقول فيك هجائى وهو أوله / وأنت آخر مهجوٍ وأنسبه / تعيش فى عصرنا ضيفاً وتشتمنا / إنا بإيقاعنا نشدو ونطربه».

ويروى وجدى زين الدين كيف شهدت الصحف سجالات بين العقاد ورجاء النقاش، حيث كان الثانى شاباً يافعاً يتمرد على لقب الأستاذية الذى يفرضه العقاد على نفسه. وكان العقاد يصر فى ردوده على النقاش بوصفه له بـ«السيد رجاء النقاش» خالعاً عنه صفة الناقد ومنكراً عنه لقب الكاتب.

والطريف أن رجاء النقاش أمسك على العقاد خدعة طريفة انطلت عليه عندما عرض عليه أحد القراء بيت شعر يقول «سقته ندى السحب من مرضعاتها / أفانين مما لم تقطره مرضع» وطلب منه أن يحلل هذا البيت لابن الرومى، وانطلق العقاد ناقداً ومحللاً قبل أن يفاجئه القارى الشرير بأنه هو مؤلف بيت الشعر وليس ابن الرومى.

وهكذا كانت معارك الأدباء والنقاد وأهل الكتابة نوادر وطرائف لذيذة، كما يؤكد الكاتب الصديق فى كتابه الشيق. تلك أيامهم وحكاياتها. غير أن الأدب الآن ليس هو الأدب، ولا الصحافة هى الصحافة.

والله أعلم.

[email protected]