رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

أمضيت حوالى 20 عاماً متصلة من رحلتى الصحفية فى تغطية جلسات البرلمان، أيامها كان يجلس المحررون البرلمانيون فى شرفة الصحافة لمراقبة كل ما يدور داخل القاعة العامة لجلسات مجلس الشعب، اخترت المقعد الذى يقع خلف الباب مباشرة ولم أغيره طوال السنوات العشرين بسبب  كثرة تحركاتى التى تتطلب أن أكون قريباً من الباب.

وأنا جالس فى شرفة الصحافة أراقب المناقشات والمداولات كنت أستمتع للغاية بالجلسات التى كانت تناقش فيها الاستجوابات، والحقيقة كان مجلس الشعب خلال الفترة التى سبقت قيام ثورة 25 يناير سخياً فى مناقشة الاستجوابات، كان المجلس تقريباً يناقش حوالى «80» استجواباً على الأقل فى دور الانعقاد الواحد، وكان عدد الاستجوابات التى تتلقاها الأمانة العامة من النواب فى الدور الواحد أكثر من «200» استجواب، والاستجواب طبعاً هو أخطر آليات الرقابة لأنه يترتب عليه طلب سحب الثقة من الوزير أو الحكومة، وهو أداة اتهام، وكان تقديم الاستجوابات مقصوراً على نواب المعارضة والمستقلين، رغم أن الدستور أعطى الحق لجميع النواب فى استخدام هذه الآلية، إلا أن حزب الحكومة فى ذلك الوقت حظر على نوابه تقديم استجوابات لحكومتهم، واستجاب نواب الحكومة فى ظل سياسة الطاعة العمياء التى كانت سائدة فى ذلك الوقت، إلا نابئاً واحداً وهو طاهر حزين الذى غرد خارج السرب، واستجوب أحد الوزراء، وتم فصله من الحزب الوطنى فى نفس اليوم.

أما لماذا أنا كنت أستمتع بمناقشة الاستجوابات، فلأن نواب الحكومة، أو نواب الحزب الوطنى، أو نواب الأغلبية الميكانيكية كانوا يحولون جلسة مناقشة الاستجواب إلى مسرحية كوميدية تستحق المشاهدة، كما كانت فترة مناقشة الاستجواب تتخللها فقرات مضحكة، خاصة فقرة الساحر، وبصراحة كانت تعجبنى هذه الفقرة، وكنت أستمتع بمتابعتها، وهذا سر بقائى فى الشرفة حتى نهاية الجلسة.

جلسة مناقشة الاستجواب كانت تبدأ من أول قيام أحد عمال القاعة بوضع دورق مياه لزوم الشرب على المنصة الثابتة التى يقف خلفها النائب مقدم الاستجواب لعرض استجوابه، كانت القاعة فى ذلك الوقت تشهد حضوراً أفضل للنواب بعض وزراء الحكومة جالسين يستمعون للاستجواب، والنائب يكيل الاتهامات، وترد الحكومة عليه، وتسخن المواجهة، وتصل إلى ذروتها، وفى هذه اللحظة التى نتوقع نحن الجمهور قراراً من المجلس ضد الوزير أو الحكومة نفاجأ بورقة يسحبها رئيس المجلس من بين الملفات الموضوعة أمامه على منصته، ويقرأ جاءنى طلب موقع من «20» عضواً بالانتقال لجدول الأعمال ويتم إغلاق الستارة، وإضاءة الأنوار فى إشارة إلى انتهاء المسرحية.

اكتشفت أن هناك فيتو اخترعته حكومة الحزب، أو حزب الحكومة فى لائحة البرلمان بأن أى «20» نائباً لهم حق الفيتو لإبطال مفعول الاستجواب والانتقال إلى جدول الأعمال، دون أن يتم الإعلان من قائد المنصة عما إذا كان الاستجواب نجح أو سقط، أم له دور ثان ولا نعرف هل تجددت الثقة فى الحكومة أم أنها ستحال للتقاعد؟، وهكذا وهكذا جميع الاستجواب تسقط بالفيتو الذى يملكه الـ20 نائباً.

طوال العشرين عاماً التى قضيتها فى الصحافة البرلمانية عرفت فيها كل الخبايا والأسرار وقدمت تقارير صحفية مؤثرة كنت أحاول حل لغز العشرين نائباً، سألت مراراً وتكراراً عن أسمائهم، وفشلت، واكتشفت فى آخر المطاف أن العشرين نائباً مجرد بند فى اللائحة، ودورهم من الممكن أن يؤديه رئيس المجلس، أو وزير شئون مجلس الشعب لإنقاذ الوزير الموجه له الاستجواب فى الوقت المناسب.

ويحدد رئيس المجلس هذا الوقت ويعلن جاءنى طلب موقع من 20 نائباً للانتقال لجدول الأعمال، وتخرج الصحف فى اليوم الثانى بعناوين عريضة: سقط الاستجواب ونجحت الحكومة!

ليس بالضرورة أن يكون النواب العشرون قد قدموا الطلب لأنه لم يقم أحد بتفتيش منصة رئيس المجلس، وعندما كنت أشاهد نواب الحكومة يخرجون من القاعة وهم يتأبطون ذراع الوزير الذى كان يرد على الاستجواب، ويرددون يسقط الاستجواب وعاشت الحكومة، أرد: عملها عفريت العلبة الـ«20 نائباً» وراح عصر الـ«20» نائباً وسرهم معاهم.

هل هذا معناه ألا يناقش مجلس النواب الحالى الاستجوابات المقدمة من النواب للحكومة لا طبعاً، سنعرض ذلك فيما بعد.