رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

أقبلت علينا الذكرى السادسة والستون لثورة 23 يوليو 1952م وهى تحمل ذكريات كثيفة لحدث اقترب عمره من السبعين عامًا، بعض أحداثه يدركها المؤرخون جيدًا، ويفصلون القول فيها من واقع ما أفرج عنه من وثائق بلغات شتى؛ والبعض الآخر من غير المؤرخين لا يزالون يسيرون خلف كتابات واهية، لا أصل لها، وروايات شفاهية تناقلتها شخصيات متباينة الهدف، دون سند شرعي؛ ويطلقون العنان لأنفسهم ليتولوا مهمة الإفتاء والاجتهاد فى الحكم على أناس يرقدون الآن فى دار الحق ولا يملكون شيئًا للدفاع عن أنفسهم أو لبيان حقيقة أفعالهم إلا وثيقة تظهر هنا أو هناك بين الفينة والأخرى، لتغير موازين التاريخ فتؤكد هذه الرواية أو تنفيها. ولا يمكننا على سبيل المثال أن نجزم بكامل أسباب نكسة 1967، التى لا مراء فيها، إلا بعد الإفراج عن كامل الوثائق. ودعونا نقدم أمثلة صريحة لروايات عبثية تناولتها العامة وما زال البعض منهم يتشدق بها، رغم سذاجة الطرح.

فهناك من يلقى اللوم على المشير عبدالحكيم عامر-رحمه الله- ويقول إنه كان السبب بقرار خاطئ ومتسرع أصدره للقوات المصرية بالانسحاب السريع من سيناء فكانوا طعمًا سهلاً لقاذفات العدو الصهيونى. وهناك من قال إن طائرة المشير كانت فى الجو، ومن ثم أعطيت الأوامر بعدم الضرب. والبعض الثالث قال إن الملك (فلان) أبلغ جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، بخطة العرب ونية ناصر الهجوم على إسرائيل. والبعض الرابع قال إن الفريق سعد الدين الشاذلى، وكان وقتها قائدًا لأركان الجيش الأردنى، لم يتمكن من إبلاغ ناصر بنية الصهاينة الهجوم على الأراضى المصرية يوم 5 يونيو، وتفاصيل الخطة التى وضعها الشاذلى لضرب القوات الجوية الإسرائيلية، ولم يصل رسوله بالخطة لعبدالناصر... ولو تتبعنا روايات العامة لوصلتنا العشرات منها حول نكسة 1967. وربما كان بعض مما طرح صحيحًا وربما العكس. بيد أن الفيصل هنا هو الوثيقة التاريخية، التى هى سيدة الكلم، وأمامها يجب أن نكف عن الاجتهاد. وما دون الوثيقة يعتبر افتراضًا أو اجتهادًا أو سمه ما شئت، لكنه ليس تاريخًا يسمح لنا بالحكم على الرئيس عبدالناصر أو الاجتهاد فى تقييم سياسته بعيدًا عن الموضوعية. ولعل هذا يطرح سؤالاً: من يملك الحق فى الحكم على الثورة؟

مما يحزننى فى هذا السياق، بساطة الطرح الذى يسيطر على عقول عدد من المثقفين حتى الآن، حين يتناولون ثورة 23 يوليو 1952. فالبعض من هؤلاء، وغالبيتهم لا صلة لهم بالتأريخ، يعينون أنفسهم قضاة وشهودًا فى نفس الوقت، فيقومون بجلد ذكرى قادة الثورة، ويغفلون الإنجازات، ويسهبون فى سرد النكبات.

الكثيرون من أبناء هذه الفئة لم يشتغلوا بمهنة التأريخ ولا يعرفون شروطها ولا أدواتها، وينساقون وراء ما سجلته بعض الأقلام الرافضة لمنهج عبدالناصر فى الحكم والسياسة، أو لثورة 23 يوليو كلية، أو ممن صودرت أملاكهم أو أراضيهم، أو ممن عجزوا عن فهم فلسفة الثورة والتأقلم مع معطيات عصر جديد عاشت فيه مصر بعد 1952.

وهناك شهادة للمؤرخ الكبير أ.د. عاصم الدسوقى، تحدث فيها عن وثيقتين بالإنجليزية، إحداهما بريطانية والثانية أمريكية، الأولى منهما تعود لنهاية العام 1949 والثانية تعود لأوائل العام 1951م. وتعكس هاتان الوثيقتان أن مصر كانت فى حالة غليان اجتماعى وفقر يعم على الفلاحين والعمال، وأنها على شفا ثورة سيقوم بها المصريون، بسبب التمييز الاجتماعى الحاد والقوانين الظالمة لصالح الطبقة الثرية فى مصر. ونخلص من هاتين الوثيقتين المهمتين إلى أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كانت تنذر بقيام ثورة لا محيص منها.

لذلك فإن من قاموا بالثورة التى أطاحت بالملك جاءوا فى الأساس من بين تلك الطبقات الاجتماعية المتوسطة ودون المتوسطة، وجميعهم كانوا شبابًا، ليسوا ممن اضطلعوا بالسياسة أو تربحوا منها.

* كاتب وأستاذ أكاديمي