رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

على فكرة

لم أعد أذكر متى وأين التقيت «رجب أبو الحارث»، فى القاهرة بمقر حزب التجمع، أم  فى قريته بالفيوم، فى مظاهرة أم فى اعتصام، فى مؤتمر جماهيرى حاشد فى قرية نائية من قرى مصر، أم على باب سجن، نزور زملاء  لننقل إليهم ما غاب عنهم وهم فى ظلام الزنازين.؟ كل ما أعرفه أن ابتسامته الصافية الندية الطيبة، تحتضن كل من يقابله، وتقتحمه بمودة وعواطف حارة جياشة، حتى ولو كانت المقابلة هى الأولى من نوعها.

لا تقل لى إنك لا تعرفه، بل تعرفه جيدا، فهو ابن من أبناء الريف الذين تحفل بهم القرى فى أنحاء الوادى، وتشهد على صراعهم اليومى البطولى والجسور مع تصاريف الحياة للتصدى لظلمها وتجاهلها وقلة إنصافها، وفى خضم هذا الصراع تلتقطهم جماعات الإرهاب الجهادى الدينية، فينخرطون فى صفوفها، ويتكلمون بخطابها التكفيرى المعادى للحياة، ويحاربون معاركها الخاطئة. وحين يدركون زيف تلك الجماعات، ويكتشفون كذب ادعاءاتها، وازدواجية خطابها وطائفيته، والثراء غير المبرر لشيوخها وهم لا عمل لهم، يتركونها ليضيفوا إلى معارك حياتهم معركة جديدة هى التصدى لأفكارهم  المدمرة للأوطان والمشوهة للأديان التى كانت تنطوى عليها الدروس التى يلقيها عليهم الشيخان عمر عبد الرحمن وعبد الله السماوى. رجب أبو الحارث كان واحدا من هؤلاء، بل قائدا من قادة التصدى للمتاجرين بالدين فى قريته إبشواى فى محافظة الفيوم، وفضح التدين الشكلى الذى يروجون له، كالدعوة لدخول المسجد بالقدم اليمنى، والبسملة عند الجماع، وعدم ترديد المثل الشعبى امسك الخشب لأنه يعنى مسك الصليب، والتحذير من ارتداء بلوفر بخطوط متداخلة، لأنها مخطط من النصارى لنشر الصليب، ومهاجمة علامة زائد لنفس السبب، والعلاج بطب العفاريت، وإخراج الجن من مؤخرة البشر، وزواج الشيخ من قطة يحملها فى الشارع وتنقلب فى بيته إلى امرأة، وغيرها من التُّرهات والتخاريف التى كانت، ولاتزال، تبث سمومها بواسطة التيار السلفى فى الريف المصرى، وتسيطر عبر الزوايا ومنابر المساجد والفتاوى المنسوبة زورا إلى الدين على عقول أهله، وعلى تكريس الخرافات والجهل والعدمية، فى ربوعه.

وفى كتابه المهم الصادر قبل أسابيع عن دار النسيم للنشر والتوزيع تحت عنون: «سلفى فى باريس» يروى رجب أبوالحارث فى مشاهد منفصلة متصلة، قصة انضمامه للجماعة الإسلامية السلفية، وخروجه منها، ليصبح أحد أعضاء التجمع الناشطين فى محافظة الفيوم، ووصف المعاناة  التى لقيها من شيوخ الجماعة بسبب هذا الانفصال وذلك الاختيار، حيث لم يتوقفوا عن دعوته إلى التحلى بالرشد والصواب والعودة إليها، وترك حزب الشيطان «التجمع» ووصمه بأنه مرتد يتبع مدرسة أبولهب، وكتابة تقارير ضده للسلطات المحلية وأجهزة الأمن، تحاصره وتضيق عليه فرص الحياة، وإصدار فتاوى تحلل نهب أموال من يتركون الجماعة وقتلهم، والسطو على منازلهم وزراعتهم وماشيتهم، ولعل هذا السبب كان بجانب أسباب أخرى، وراء قراره قبل عقود بالسفر إلى باريس والإقامة والعمل بها. وفى باريس يكشف النقاب عن الأمراض الاجتماعية التى تنقلها تلك التيارات إلى الدول الغربية التى تهاجر إليها، والانتهازية التى تدفع أحدهم للزواج من فرنسية للحصول على الجنسية، ثم بعد ذلك يدعى المرض ليدفعها لطلب الطلاق!

يجمع الكتاب ببراعة بين السيرة الذاتية التى تروى انتقال شاب من الحركة السلفية إلى جبهة اليسار، وبين التأمل فى التاريخ الاجتماعى للريف الذى سمح بازدهار تلك التيارات، والتلاعب بالعقول بالترويج لفقه «التقية» الذى يحلل الكذب فى تعاملات هذا التيار، والأخطاء التنفيذية التى تساهم فى استمرارها. يفعل المؤلف ذلك بخفة ظل، ولغة بسيطة تجمع بين العامية والفصحى، ودقة ذكية فى الملاحظة، فضلا عن مخزون هائل من الثقافة الشعبية، التى تجعل الكتاب إضافة حقيقية للمكتبة العربية.