رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوالنا

فى غمرة احتفالات العالم بواحدة من أعظم دورات كأس العالم لكرة القدم، ووسط بهجة انتصارات الفوز التى كست المعمورة، وليس دولة فرنسا وحدها، التى سعد فريقها بالفوز بكأس العالم للمرة الثانية فى تاريخها، رُوِّع المصريون بوقوع حادث اقشعرت له الأبدان؛ نظراً إلى أن ضحاياه الثلاث من الأطفال الصغار وأكبرهم فى الخامسة من عمره. وفِى البداية سرت شائعات بأن وراء هذا الحادث عصابة لسرقة الأعضاء البشرية. وكالعادة راجت هذه الشائعات وانتشرت من خلال السوشيال ميديا فى ظل غياب المعلومات الرسمية الموثقة التى أصبح تأخرها طابعاً متكرراً فى كثير من الأحداث، مما يترك الفرصة للشائعات كى تكبر وتنتشر، وتملأ الفراغ الذى يتركه الإعلام الرسمى.

ومع تكشف حقائق الحادث وتبين أبعاده، ظهرت حقائق مروعة عن أوضاع اجتماعية لا أخلاقية، تكمن فى هدوء تحت قشرة المجتمع، ولا علاقة لها بما يدور فوق السطح من تفاعلات أو مناقشات سفسطائية تدور حول مواضيع هى بالقطع فوق إدراك هذه الشريحة من البشر الذين يعيشون وفق نظامهم الخاص فى قاع المجتمع. وهذا القاع ليس للأفقر ولكنه للأدنى، إنه لكل من يفتقر إلى الحد الأدنى من الأخلاق. إنه القاع الذى يسمح لامرأة شابة بأن تنجب ثلاثة أطفال من ثلاثة رجال بعقود عرفية، ويتم تسجيل اثنين منهم باسم رجل رابع، بينما ينتظر الطفل الثالث حظه من اعتراف المجتمع به. لقد كشف هذا الحادث المروع هذه الأبعاد لهذه الفئة من المجتمع التى تعيش تحت خط الحياء. وفِى هذه الحادثة، تبين أن هذه النوعية من البشر تفقد مع الوقت إنسانيتها. وفِى هذا الإطار فقط يمكن لنا أن نتصور كيف تسنى لهذه الأم أن تقوم بالتخلص من جثث أطفالها الثلاثة المحترقة بإلقائها فى صندوق القمامة، وأن تقوم بهذه الفعلة النكراء، وتعود لممارسة حياتها المعتادة، وكأنَّ شيئاً لم يكن.

لقد أعادت هذه الحادثة إلى الذاكرة مقولة الأديب والفيلسوف الشهير برنارد شو بأن الشريحة العليا من المجتمع تعيش فوق القانون، بينما تعيش الشريحة الدنيا من قاع المجتمع تحت القانون، وبذلك فإن المعنيين بالقانون هم أبناء الطبقة المتوسطة. وفِى الحقيقة، فإنَّ مقولة برنارد شو لا تنطبق فقط على القانون الوضعى للبلاد، ولكنها تنطبق، أيضاً، وربما بدرجة، أكبر على الاخلاقيات. فالقانون الوضعى يمكن التحايل عليه أو تجاوزه بعقد عرفى أو ما شابه ذلك، ولكن الاخلاقيات هى المبادئ التى يشب عليها النشء ويكبرون فتصبح جزءاً لا يتجزأ من تكوينهم. وهذا ما تفعله الطبقة المتوسطة، وتحرص عليه بكل ما تملك من قوة. ولذلك فإنَّ درجة صلاح المجتمع وقوته وصلابته تقاس بحجم الطبقة المتوسطة فى هذا المجتمع. فكلما كانت هذه الطبقة كبيرة وعفية، كان المجتمع سليماً وقادراً على النمو والتطور. وعلى العكس من ذلك فإنَّ كبر حجم الطبقة الدنيا وانتشار ممارساتها الرديئة دليل دامغ على تدهور المجتمع قيمياً وانحداره فى سلم الرقى، ومن ثم تخلفه بعد ذلك.

لقد دق علماء الاجتماع منذ فترة نواقيس الخطر التى تنبه إلى انحسار الطبقة المتوسطة فى مصر وتراجعها، وانقضاض الطبقة الدنيا على أى مساحة تتركها الطبقة المتوسطة. وترجمة ذلك على أرض الواقع مزيد من العشوائيات وانتشار أكبر للتكاتك وكل مظاهر التخلف وسيادة الجهل والمرض. لقد هزت حادثة الأطفال الثلاثة أرجاء المجتمع. ونأمل فى أن تظل مثل هذه الحوادث أموراً فردية غير متكررة فى المجتمع. كما نأمل فى أن يقوم الإعلام بدوره فى التوعية، ونشر الثقافة والأخلاقيات فى كل ربوع البلاد.