رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

غير عابئة أنا بمن حملوا رماحهم وسيوفهم، وامتطوا صهوة البطولة الأخلاقية الوهمية ليحاربوا الحقائق التى سردت بعضها فى مقالى السابق، وهى كوننا أصبحنا الآن شعبا يحتاج إلى اعادة تربية إلا قليلاً، كثيرون أيدوا ما كتبته، وأمثالهم رفضوا وهاجموا زاعمين أن أخلاقنا «أحسن أخلاق فى الدنيا» طيب بأمارة إيه؟.. وهذه الفئة الأخيرة أراها كالنعام، تدفن رأسها فى الرمال، وتشعر وهما أنها بمأمن من أعدائها، فيما يهاجمنا قبح الأخلاق الذى صار إليه أغلبنا، ليقتل أرواحنا، ويدمر مجتمعنا ويفككه بالفوضى والوقاحة والبجاحة والفجور والبلطجة والإسفاف وانحطاط الذوق العام، بعد أن كنا نتغنى بأخلاقنا أيام «الأبيض والأسود».

وسأكمل لكم ما بدأته من قصة ولدى والأستاذ «عاطف» مدير مدرسته الدولية وهو فى نفس الوقت مدرس الحساب، الذى أصر على طرد الولد قبل امتحان آخر السنة وكانت آخر مادة له فى الثانوية الدولية، لأنه ضبطه يتحدث فى هاتفه وهو «نازل على السلم» ويهم بمغادرة المدرسة، وكان الأستاذ عاطف يعلم تماماً استحالة نقل الولد لمدرسة أخرى فى هذا التوقيت الحرج، وأن طرده سيعنى عودة الولد إلى سنة أولى ثانوى فى العام الدراسى الجديد، وأن يعيد جميع المواد التى سبق ونجح فيها وفقاً للنظام البريطانى وعددها 7 مواد، وكل مادة ما شاء الله، مش أقل من 5 آلاف، بجانب الآلافات الأخرى التى تتقاضاها المدرسة لتسجيل الولد لديها، ولم يجد مع الأستاذ عاطف اعتذار الولد أو دموعه رغم أنه لم يخطئ، وهو يشعر أن مستقبله يضيع، وأنه قد يعيد 7 مواد، المهم اتصلت بزميلنا مندوب وزارة التعليم، وحاولت من خلاله إيجاد وسيلة لوزارة التعليم لإيقاف الأستاذ عاطف عند حده الذى تجاوزه دون وعى أو مسئولية مستغلاً أنه مدير المدرسة، وراعى أموال صاحبها المليونير الذى يمتلك عدة مدارس خاصة «سبوبة»، فكان من زميلى أن فاجأنى بأن أى تدخل من الوزارة سيأتى بأثر عكسى، وأنه علىَّ حل الأمر ودياً.

ولم أجد وزوجى بداً من طلب موعد من صاحب المدرسة، الذى بدا كفرعون جالس على عرشه، وهو يستقبلنا فى غرور مقيت، ولم يعدل رأسه المرفوع، ولا قسمات وجهه المتعجرفة، إلا عندما قدمنا له ما يفيد كوننا صحفيين، وتعمدت أن أفتح هاتفى على التسجيل بصورة واضحة، لأعلمه أنى سأسجل كل كلمة يقولها، وقلت له حرفياً: «اعتبرنا لسنا والدى هذا المراهق، وجئنا بحثاً عن حل بصورة موضوعية، هل تنوى المدرسة إضاعة مستقبل طالب فى آخر سنة وآخر مادة بسبب هاتف، ألا يكفى اعتذاره ودموعه وسحبنا لهاتفه حتى نهاية العام الدراسى؟»، وإذا به يقول إن الأستاذ عاطف «مبقوق» من الولد لاعتراضه على كون الأستاذ يقوم بالشرح لأكثر من فصل فى نفس الوقت، أى أن الأستاذ المحترم كان يشرح فى هذا الفصل مسألة، ويهرول إلى الفصل المجاور ليشرح مسألة، ثم يعود إلى الفصل الأول ليواصل الدرس، وكان ابنى ممن يعترضون على هذه الطريقة، لأنها تشتته وتضيع تركيزه هو وزملائه، وتعجبت من الأمر الذى يصارحنا به صاحب المدرسة، وسألته: وهل هذا أسلوب تدريس؟.. قال بكل «بجاحة» نعمل إيه ما فيش مدرسين تانى بكفاءة الأستاذ «الفذ» عاطف، الذى وصفه بأنه يقوم بجهد خرافى ليشرح لثلاثة أو أربعة فصول فى حصة واحدة، وقال المليونير «الحمد لله ما فيش حد عندى سقط أبداً فى المادة، معظمهم متفوقين» وكنت أعلم من ولدى أن زملاءه  يستعينون بمدرسين فى «السناتر» ليدفع الآباء تكلفة المادة مرتين.

وطال الجدال والحوار، ومع تلويحنا بالنشر، لأنها قضية عامة تمس التعليم الدولى، وبنقل القضية إلى إدارة المركز الثقافى البريطانى المنوط بالإشراف على التعليم البريطانى فى مصر، توصلنا أخيراً إلى حل وسط، ألا يحضر الولد للمدرسة إلا فى الامتحانات فقط، وأن يكمل باقى المادة على حسابنا فى أحد «السناتر»، حفاظاً على مشاعر الأستاذ عاطف، الذى حلف «براس أبوه» عدم إكمال المنهج إذا بقى الولد بالمدرسة.

وهكذا يا سادة، كان صاحب المدرسة المليونير الفرعون، ممن يخافون ولا يختشون، كل ما يهمه الحفاظ على مدرس انتهازى يدر له مئات الآلاف، وليس من المهم تهديد مستقبل طالب، طفح والداه الدم لتعليمه تعليماً دولياً، فى مدرسة كانت بلا نظام، وبلا كفاءة، وحتى بلا فصول آدمية، وترحمت على معلمينا زمااااااااااااان، حين كنا نختبئ منهم إذا ما رأونا فى الشارع، لأن يومنا التالى سيكون أسود، لأنهم سيعاقبوننا ويعاتبوننا لأننا كنا فى الشارع نلعب ولا نذاكر، كان معلمون زماااان أحرص منا على مستقبلنا، يتعادلون فى حرصهم مع حرص أبائنا على نجاحنا وتفوقنا، ولم تكن الدروس الخصوصية قد تحولت إلى سرطان ينخر أساس تعليمنا، ويخرب ذمم المعلمين، ويدمر جيوب الآباء.. وللحديث بقية.

 

[email protected]