رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

تخيل موتك. جنازتك. لحظة انفصال الروح عن الجسد. نظرتك الأخيرة على العالم. بداية رحلتك نحو الأبدية: اللافناء.

كثير من المبدعين رسموا دروب خيال لموتهم. البعض توقع رصاصة غادرة فى الظلام، والبعض انتظر أزمة قلبية سريعة، وآخرون توقعوا حرباً شرسة مع السرطان، وهناك مَن اختاروا رسم نهاياتهم بأنفسهم فانتحروا مسجلين لحظات النهاية كما أرادوا.

الكاتبة الحزينة فرجينيا وولف مثلاً كدست حجارة فى جيوب فستانها ثُم ذهبت إلى البحيرة المجاورة لبيتها ومشت بخطوات ثابتة حتى غرقت.

إرنست هيمنجواى الحائز على نوبل فى الآداب ضاق ذرعاً بكل شىء حوله، فعمّر بندقيته وأطلق رصاصة واحدة نحو رأسه.

وهناك حكاية طريفة عن الأديب النمساوى ديسفايج، حيث آلمته أحداث الحرب العالمية الثانية وفظائعها واتفق مع زوجته أن يختارا معا نهايتهما بدلاً من أن تفرض عليهما. وجلس الرجل يكتب خطابات محبة وشكر واعتذار لجميع أصدقائه ومعارفه حتى كتب 192 خطاباً ثُم تعانق وزوجته بعد أن ابتلعا كميات كبيرة من الحبوب المنومة.

الغريب أن معظم مَن تنبأوا بطريقة موتهم ماتوا بطرق أخرى. الرئيس أنور السادات لم يكن يتخيل أبداً مشهد وموعد وطريقة موته، حتى إنه وقف مذهولاً من هول المفاجأة ليصبح هدفاً أسهل لرصاص خالد الإسلامبولى ورفاقه.

أما سيدة الغناء العربى أم كلثوم فقالت لمصطفى أمين إنها تود أن تموت وهى واقفة تغنى لكن اعتلال صحتها منعها من الغناء سنة 1972 وظلت مريضة ثلاث سنوات غير قادرة على الغناء حتى رحلت.

وكتب مصطفى أمين نفسه أنه يتمنى أن يموت وهو يكتب، وأنه يوصى بوضع قلم معه فى القبر فربما يكتب تحقيقاً عن يوم القيامة، وبالطبع لم تتحقق أمنيته ولا أدرى إن كانت أسرته قد وضعت قلماً فى مقبرته أم لا.

ويقال إن يوسف السباعى كان أكثر الأدباء تخيلا للموت حتى إنه كتب فى إحدى رواياته الأخيرة «بينى وبين الموت خطوة سأخطوها إليه أو سيخطوها إلىّ.. فما أظن جسدى الواهن بقادر على أن يخطو إليه..أيها الموت العزيز اقترب.. فقد طالت إليك لهفتى وطال إليك اشتياقى»، ولكنه لم يكن يتصور أن تكون نهايته فى فندق بقبرص نتيجة طعنة من يد فلسطينى.

أما الشاعر أمل دنقل فقد رسم مسار جنازته وحدد طريقة دفنه واتفق على كافة ترتيبات الوفاة مع صديق عمره جابر عصفور، وهو أسير مركز الأورام يقاتل السرطان.

أنيس منصور كان من أكثر الأدباء اهتماماً بفكرة الموت وتتبعها والتعرف على اللحظات الأخيرة للمشاهير فى العالم، وله كتاب شهير عن ذلك بعنوان «على رقاب العباد»، وهو الذى خط عبارة «كل شىء فى الدنيا تعب إلا الموت فهو نهاية كل تعب»، لذا فقد كان الأكثر قدرة على تخيل موته فى سرير بمستشفى بالقاهرة دون مودعين سوى زوجته المخلصة.

حكايات النهايات مثيرة، مذكرة، وربما واعظة. لنفسى أولاً. ثُم لأناس وبشر يدورون فى أفلاك النفعية ويدوسون على الأخلاق والقيم والمبادئ وينشغلون بالدسائس والمؤامرات.

يقول الشاعر الجميل أبوالعلاء المعرى: «وما نفيق من السُّكر المحيط بنا، إلاّ إذا قيل: هذا الموتُ قد جاءَ».

والله أعلم.

[email protected]