عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

قبل أن تقرأ هذا المقال بعيدا عن السياسة ولكنه فى القلب منها أيضا، ذلك أن محور موضوعه العقار، بما يرافقه من مفردات مثل رمل وزلط وطوب وأسمنت، وهى أبعد ما تكون عن السياسة، غير أنه لأن العقار، يحتل أهمية كبرى فى ضوء تحول مصر لورشة بناء كبرى، فلك أن تعتبره مقالا سياسيا يصب فى مناقشة ما يمكن أن تعتبره جوهر النشاط الاقتصادى فى مصر فى الفترة الحالية.

كنت قد كتبت الأسبوع الماضى مقالا عن الإسكان الاجتماعى هادفا إلى وضع النشاط العقارى فى إطاره الاقتصادى لجهة احتلاله مرتبة متقدمة فى الأولويات، وهو أمر رغم أن له ما يبرره مجتمعيا، إلا أن فكرتى الأساسية، وما زالت، أن النشاط العقارى على النحو الذى يتم به يمثل خصمًا من مواردنا المادية وإمكانياتنا الاقتصادية رغم دوره الخدمى الهائل. ومن بين ما ذهبت إليه أن التوسع فى إنتاج العقار محليا، قد يؤدى إلى عجز فى الميزان التجارى للدولة، لأنها سلعة ذات اتجاه واحد يتم استيراد مكوناتها دون إمكانية إعادة تصديرها كسلعة نهائية، لاستعادة على الأقل ما تم دفعه من عملة صعبة. وقد تحفظ البعض على هذه الرؤية ورأى فيها نوعا من الانتقاص من نشاط ينبغى أن ينال المدح والثناء من الجميع.

وسبب العودة للكتابة فى الموضوع تبلور رؤية على صعيد القائمين على الحكم، نحو إدراك جوهر ما أشرت إليه واتجاههم إلى البحث عن بدائل، عنوانها العام «تصدير العقار المصري». جاءت الإشارة إلى ذلك خلال اجتماع رئيس الوزراء مصطفى مدبولى الأسبوع الماضى مع مجموعة من المطورين العقاريين الذين طالبوا بالترويج للعقار المصرى فى الخارج خاصة بعدما ما تم إزالة معوقات التصدير من قبل الدولة، وهو منح إقامة للأجانب الذين يقومون بشراء وحدات عقارية فى مصر، وهو ما يسعى معه مدبولى لتحويله إلى خطة على أرض الواقع. وتكررت الفكرة خلال المؤتمر الصحفى بشأن الترويج لأبراج العلمين منذ أيام باعتبار أنه قد يكون من المفضل تسويق الأبراج للخارج دون الاكتفاء بالداخل لجلب العملة الأجنبية!.

هناك بشكل مبدئى ملاحظتان أساسيتان لا بد من الإشارة إليهما فى هذا الصدد أولهما أن القادم لمنصب رئيس الوزراء خلال السنوات الأخيرة كان وزيرا للإسكان محلب ثم مدبولى، وفصل بينهما وزير من قطاع مختلف هو شريف إسماعيل، وهو ما يشير إلى الأهمية التى تعولها الدولة على هذا القطاع، وتزداد هذه الملحوظة أهمية فى ضوء احتفاظ مدبولى بمنصب الإسكان إلى جانب رئاسة الوزراء، دون إيراد أى حكم على صحة هذه الأهمية من عدمها.

الملحوظة الثانية أن الانطباع الذى يتولد لدى أى متابع للتنمية العقارية فى مصر، أن هناك محاولة لاستنساخ تجربة دبي، التجربة التى نجحت معها تلك الإمارة الصغيرة أن تتحول لتكون قاطرة التنمية العقارية خاصة التنمية الشاملة عامة للإمارات مع بداية الألفية الثالثة.

غير أنه من خلال متابعة ما جرى على الساحة المصرية يمكن القول إن فكرة تصدير العقار حديثة، وهو ما يعكس أمرين هما وجود فائض فى العقار بما لذلك من دلالات ومؤشرات أغلبها سلبى للأسف، وأن هناك من المنتجات العقارية ما لا يناسب الحالة المصرية مثل أبراج العلمين، الأمر الذى أكدته تصريحات المدير التنفيذى للقائم على الشركة المنفذة للأبراج.

ومعنى ما سبق أن تصدير العقار جاء كخيار أخير فى ضوء الكلفة الاقتصادية العالية لمشروعات العقارات فى مصر وضريبتها على نحو ما أشرنا إليه فى بداية المقال بشأن تأثيره على مجمل أداء حركة الاقتصاد فى مواجهة الخارج، أو أن مفهوم التنمية العقارية على النحو الذى جرى تطبيقه به وصل إلى ما يمكن اعتباره «حارة سد» بفعل استنزافه الكثير من موارد العملة الصعبة بما يتطلب سرعة العمل على استعادتها من خلال فكرة التصدير.

غير أن تصدير العقار فكرة مصحوبة بالمخاطر، يكفى الإشارة إلى أن التجارب التى تمثل قدوة يجرى تقليدها ضاعت معها هوية شعوبها بفعل غلبة الأجانب، ونشير هنا سريعا إلى ما ذهب إليه الكاتب الأيرلندى أندرو هاموند من أن وجود الهنود فى الإمارات على النحو الذى يوجدون عليه مثلا قد يكون معناه حال انتخابات حرة هناك أن يكون حكامها من الهنود. كما يتصادم هذا الاتجاه مع طبيعة الشخصية المصرية والرؤية الكلاسيكية لقطاع كبير من المصريين الذين يتمسكون بالحفاظ على الأرض، ويرون فى بيعها نوعا من التفريط فى العرض، مع ما يصاحب ذلك من تصورات تتخوف من سيطرة الأجانب على هذا القطاع بما لذلك من تداعيات خطيرة.

تخوفات على صعيدنا لا شك مبالغ فيها غير أن الأمر ينبغى ألا يتم الاقتراب منه بالبساطة والتهوين الذى نراه يتم أمامنا!

[email protected]