رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

حتي عهد قريب، كنت أظن أن تمثال «الكاتب المصري» الشهير في المتحف المصري، إنما يرمز إلي دولة العلم والأدب والثقافة في مصر الفرعونية. وأن الأوراق التي يبسطها علي ركبتيه وهو جالس القرفصاء، هي من إبداعات العقل وثمرات الفكر.

ثم عرفت مؤخراً، انه يرمز إلي السلطة والدولة والبيروقراطية.. وأن الأوراق التي يحملها قد تكون أوامر ولوائح وقرارات تلقاها من رؤسائه ليقرأها علي مرؤوسيه.. وقد تكون محاضر جرد مخازن وزارة الري.. وقد تكون كشفاً بالضرائب والمكوس المفروضة علي الفلاحين والصناع والتجار.. ولك أن تذهب في أن تذهب في تفسيرها ما شئت من تفسير علي ضوء معرفتك بالموظف المصري الذي تراه كل يوم، وتلتقي به في كل شأن من شئون حياتك اليومية في الوزارات والمصالح الحكومية.. ابتداء من دفتر المواليد وانتهاء بشهادة الوفاة.. ومروراً علي آلاف الأوراق التي ترصد سجل تعاملاتك في التعليم والصحة والتموين والزراعة والقوي العاملة وغيرها.

المهم أن هذا «الكاتب المصري» العتيد الذي تري صورته في كتب التاريخ الفرعوني ليس «الجاحظ» أو «المازني» أو توفيق الحكيم أو نجيب محفوظ أو «العقاد».. لكنه رمز للبيروقراطية المصرية، وتعظيم لدورها في عهد الفراعنة، والتي تأصلت جذورها في المجتمع المصري، وامتد نفوذها كالأخطبوط إلي كل شرايين الحياة حتي الآن.. وهو ما دعا الفراعنة لتقديس هذه الشخصية النمطية في تماثيل كما تقدس الآلهة وملوك الفراعنة.

البيروقراطية المصرية إذن داء متوطن قديم كالبلهارسيا والإنكلستوما.. نشأ مع نشأة النظام السياسي، وترعرع مع ازدهار السلطة الفرعونية التي انفردت بالتملك والتحكم منذ بداية التاريخ، وتجمعت في يدها خيوط القوة والجاه والنفوذ.. وإذا كانت الفرعونية الديكتاتورية الشمولية هي رأس الدولة، فإن البيروقراطية هي ذراعها الطويلة التي تصل إلي كل شبر في مصر، في طول البلاد وعرضها.. وإذا كان الفرعون هو المتفرد بالسلطة، فإن «الكاتب المصري» هو وكيله وممثله الشخصي لدي عامة الشعب.. يجمع منهم الضرائب، ويحدد لهم مقننات الماء للزراعة والري، ويعد علي الناس أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم، ويجلد ظهورهم بالكرابيج في الوقت المناسب.

لقد تذكرت حكاية «الكاتب المصري» الموجود في المتحف المصري بالتحرير، عندما ساقني القدر لنقل ابني من مدرسة دولية تابعة للإدارة التعليمية بمدينة السلام بالقاهرة إلي مدرسة دولية أخري بمدينة نصر، أي أن المدرستين تابعتان لمحافظة واحدة.. لكن ما حدث لي - وطبعاً لغيري من عشرات الآلاف من المواطنين ممن تجرأوا علي نقل أولادهم من مدرسة إلي أخري علي مستوي الجمهورية- هو أسوأ نموذج للروتين والبيروقراطية المصرية، هنا عرفت كيف تمارس الحكومة دورها في تعذيب الناس وتأديبهم.. وكيف تتم مرمطة المواطن المصري وإهدار كرامته في طوابير ومكاتب الموظفين.

هنا عليك أن تنتقل بالأوراق من موظف إلي آخر.. ومن طابور إلي طابور.. ومن إدارة تعليمية إلي إدارة تعليمية.. ومن مدرسة إلي مدرسة.. ومن حي إلي حي آخر.. وأن تطوف علي مكاتب البريد للحصول علي حوالة.. وعليك أن تقف في أكثر من طابور في عز الشمس الحارقة لتحصل علي توقيع موظف أو خاتم النسر.. وعليك أن تقطع هذه الرحلة المؤلمة مرة أو مرتين، لأن الختم مش واضح أو أنك تجاوزت مع الموظف فأراد أن يلقنك درساً قاسياً.

هنا أيضاً، تسمع صرخات الناس ولعناتهم للحكومة وسنسفيل أبو الحكومة.

وتتساءل: أين المليارات التي تنفق علي تطوير الإدارات التعليمية؟.. وأين المليارات التي أنفقت علي الحكومة الذكية؟!.. وأين هي الحكومة الذكية؟!.. وأين الملايين التي أنفقت علي شراء أجهزة الكمبيوتر وشبكات الربط داخل الوزارة الواحدة؟! أين وأين وأين؟!