عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

كنت أعشق تلك الدقائق المسائية وأنتظرها بلهفة طفل يتلمس رضا والده الجاد ويتنسم سحر الحكايات، فقد كانت تلك الأوقات مؤشرا على أن «باله رائق»، وأن ضغط عمله المضنى كان هذا اليوم مقبولا، فكان  يجلس بيننا بوجهه الأسمر وعينيه الزرقاوين نادرتي اللون مع بشرة صعيدية سمراء، وكانت ثمار الجلسة حكاية لها مغزى، يرويها لتنقش حكمتها فى أذهاننا وضمائرنا البكر، منها تلك التى رويتها بدورى لأولادى.. أحفاده، قصة الأب الذى طلب من أولاده جمع عيدان الذرة «البوص» لعمل سقف لدارهم، وانتشر الأولاد الثلاثة بين الغابات المحيطة وتمكنوا من جمع ما استطاعوا بجهدهم، غير أن أحدهم «استسهل» الأمر وقام بسرقة بعض العيدان من «سقيفة جارهم» مستغلا غيابه، ومرت الأيام وإذا بالسوس «ينخر» العيدان المسروقة، ويخرج منها لينخر العيدان الأخرى التى جمعها الإخوة بتعبهم وجهدهم، حتى سقط السقف على رؤوسهم، وأدرك الأب أن بالأمر شيئا خطأ، فجمع أولاده وطلب منهم الحقيقة، وعلم بما فعله أحدهم من سرقة، فقال الأب آسفا: يا ولدى لقد أفسد الحرام الحلال فارجع لجارنا واطلب السماح وامنحه ثمن ما سرقت، عسى أن يسامحك الله فيعتدل الأمر.

إنها الحكمة التى بقيت لدي.. ونقلتها لأولادى، إذا ما حصدت غير ما زرعت، أو فسد زرع تعبت فيه واجتهدت، مؤكدا «فيه حاجة غلط»، وهذا ما يحدث بالضبط الآن فى بلدنا، هناك مشروعات تقام، وعمل يجرى على قدم وساق، وجهود تبذل، ولكن النتائج غير ملموسة تماما، والناس غاضبة، ومتصيدى الغضب ينفخون فيه كالنيران لتنفيذ أجندات تخريب وهدم وإفقادنا الثقة فى الوطن، فى المستقبل، باختصار الحاجة الغلط هى غياب الضمير، ضمير البعض من المسئولين والقائمين على إدارة البلد ومشروعاته، الذين يتعمدون وضع العراقيل والمعوقات حتى لا نحصد الثمار بسرعة أو فى الوقت المناسب، تأخير الحصاد مرجعه وجود ذمم خربة، ووجود ابواب خلفية للسرقة والنهب وتشويه الجهد، ولنرَ مثلا ما يحدث فى الطرق، كل ساعة واخرى هدم وردم، حفر وإعادة ما تم حفره مع ترك  النقر والحفر  كـ«مكاسر» للسيارات وليس مطبات عادية أو حتى صناعية، ناهيك عن الغباء الذى تصنع به أصلا المطبات الصناعية والتى لا يمكنك ان ترى مثيلها فى العالم.

انظر إلى أعمدة الكهرباء الرديئة الآيلة للسقوط، والمظلمة لمباتها طوال الليل على الطرقات السريعة لتزيد من نسب الحوادث، فيما تشتعل مصابيحها بالنهار لتساعد نور الشمس على إضاءة شوارعنا، أوليس هذا إهدارا للمال العام، وغيابا للضمير وتعمدا للتخريب وقتلا للأنفس البريئة على الطرقات.

انظر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى أغلبها، والتى اقترض أصحابها الآلاف من البنوك بالفوائد القاسية ليفتحوا من خلالها بيوتهم وبيوت آخرين، فإذا بالبيروقراطية والرشوة والتعقيدات تحول دون إتمام مشروعاتهم، انظر إلى الأراضى التى تم منحها فى أوقات ما للشباب لاستصلاحها عبر صناديق القروض، فإذا بالفساد يمنع عنها المياه والمرافق والخدمات، فيهرب منها الشباب تاركين خلفهم أحلامهم فى المستقبل، عاجزين ايضا عن سداد قروضهم، انظر الى آلاف المشروعات المتعثرة والتى أنشأ لها الرئيس خصيصا لجنة لبحث أوضاعها وتقنين أوضاعها وجدولة ديونها لتخرج من عثرتها، ماذا تم فى هذه المشروعات، كم مشروعا حتى الآن تم اعادة الروح به..؟

انظر الى مكاتبنا الحكومية التى «صدعونا» بإدخال تكنولوجيا المعلومات بها، وأنفقوا الملايين لشراء أجهزة كمبيوتر حديثة، توجه  لهذه المكاتب بما فيها حتى الشهر العقارى، لتكتشف حجم الكارثة التى تذهب اليها أموال الدولة، أجهزة الكمبيوتر «مركونة» معطلة لا صيانة لها، والموظفون لا يجيدون التعامل معها، ودوما حجتهم «السيستم واقع» فتدار الأعمال يدويا  بدفاتر تعلوها الاتربة ، وأيضا لا أحبار للطابعة ولا ورق ولا حتى دباسة، لنعود الى الستينيات.. ابيض وأسود.. او قل اسود فقط، فيما العالم كله ألوان.. ألوان،  ولا يمكنك أبدا أن تجرؤ على السؤال: « لماذا لم يتم تدريب الموظفين على الكمبيوتر قبل إطلاق تجربة الحكومة الإلكترونية.. كل هذا يؤكد «وجود حاجة غلط» غياب الضمير.. أفسد الجهود الحقيقية المخلصة ..الحرام أفسد الحلال..إنها حكمة أبى.

 وللحديث بقية.....

[email protected]