رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

فى دنيا الحروب الأمريكية التطور ليس فقط فى استخدام الآلة العسكرية، ولكن الأهم هو استخدام الأسلحة البشرية القادرة على تحقيق الهدف بقوة ناعمة، بعيداً عن وحشية الأسلحة التقليدية، ولعل أهم تلك الأسلحة على الإطلاق ما استخدم فى أفغانستان والعراق سابقاً بشكل مباشر، واستخدم فى الربيع العربى بصورة غير مباشرة، من خلال مشروع التضاريس البشرية، الذى أطلقه البنتاجون منذ عدة سنوات ورصد له مبدئيًا مبلغ 400 مليون دولار أمريكى لتغطية تكاليفه، والهدف المعلن لهذا البرنامج هو توظيف حاملى الشهادات العليا فى علم الإنسان (الأنثروبولوجى) فى صفوف الجيش الأمريكى وبرواتب مغرية، تبدأ من 100 ألف وقد تصل إلى 300 ألف دولار سنويًا بمهمة توعية الجنود الأمريكيين بعادات وتقاليد شعبى العراق وأفغانستان. وقام هؤلاء الأنثروبولوجيون بزيارة السكان المحليين والتحدث إليهم لصنع من الأعداء أصدقاء، وكسب قلوب الناس، وبالطبع جميعنا لا ننسى مبادرة «مينيرفا» البحثية، التى أنشأها وزير الدفاع آنذاك «روبرت جيتس» عام 2008، من خلال برنامجَ مِنحٍ جامعية لتشجيع الطلاب والأكاديميين على دراسة الموضوعات التى تحتاج فيها وزارة الدفاع إلى مزيد من الخبرات، مثل الأيديولوجيات الجهادية. وفى الحقيقة أن الهدف غير المعلن لهذا البرنامج هو استخدام هؤلاء الأنثروبولوجيين من أجل جمع معلومات وتحديد أماكن جيوب المقاومة والمتعاطفين معها، وأسوأ من ذلك احتمال أن يصبح من تَمَّ التحدث إليهم من السكان المحليين أهدافًا عسكريةً، وهو بذلك يعد تكملة لبرنامج «الكورد»، الذى تم تبنِّيه فى الحرب الفيتنامية، وكان له دور كبير فى توصيل المعلومة عن رجال المقاومة.

وفى الواقع أن الحروب الاستعمارية، تعدت مرحلة ما يمكن تسميته بحروب الذكورة المفرطة، المعتمدة على الذكورة العسكرية بشكل أساسى. واستخدموا مرادفاً لها أساليب الأقل اعتمادًا على العضلات والقوة النارية، وهى فى أساسها حرب متمركزة حول السكان باعتبارهم مركز الثقل العسكرى، إذ تسعى إلى تحويل ولاءاتهم من ولاءات داعمة للمقاومة إلى داعمة للقوات الأجنبية، من خلال إعادة تشكيل عالمهم الاجتماعى وهندسته اجتماعياً، وهو ما يطلق عليه عمليات كسب العقول والقلوب وتقع فى صلب الاستراتيجية العسكرية. ويقال عنها الحرب الأنثوية المعتمدة على نظام التضاريس البشرية. معتمدين على خطاب تبرير الغزو بنشر الديمقراطية، تحرير المرأة، الدفاع عن حقوق ولقد طبق الجيش الأمريكى ذلك فى أفغانستان بإنشاء «فرق الاشتباك النسائية» ضمن وحداته العسكرية، بغية تجاوز الحساسيات الثقافية الأفغانية، وتمكين نساء الجيش الأمريكى من الوصول إلى النساء لفتحَ المجال أمام التفاعل بين النساء الأمريكيات والأفغانيات، ودخول الجيش الأمريكى إلى الحياة الخاصة بالنساء فى محاولة لتحويلهنّ إلى حليفات محتملات، لكى يساهمن فى المجهود الحربى الأمريكى باعتبارهنّ مصدرًا للمعلومات الاستخباراتية، فضلًا عن النظر إلى قدراتهنّ فى إنجاز تحولات اجتماعية، بدءًا من العائلة ووصولًا للمجتمع. والولايات المتّحدة تشحذ خبراتها الثقافية والمجتمعية بزيادة عدد الضبّاط المتخصّصين فى العلوم الإنسانية والمجتمعية، بدلًا من التركيز الحالى على تفضيل أصحاب التخصصات التقنية والهندسية. مع توسيع دائرة الدارسين للغات الأجنبية من خلال معاهد القوات المسلحة المتميّزة، لتشمل ضباط الأكاديميات البحرية، وضباط الاحتياط، وكذلك توفير مزيد من الفرص لأعضاء الهيئة العسكرية للسفر والعمل بالخارج. إلى جانب الالتفاف على الإشكاليات المتعلقة بنظرة الناس للعاملين مع الأمريكان، بالبحث عمن كان لهم تاريخ نضالى وضمه اليهم لإضفاء الشرعية على أعمالهم مما يساهم بشكل كبير فى عملية الاختراق وجعل الصورة تبدو وكأنها عمليات إصلاحية من أجل المزيد من الحرية، وهى عملية استحواذ فكرية قادرة على تحقيق ما لا تقدر عليه أقوى الأسلحة الأمريكية لأنها تؤثر بشكل مباشر فى قوة النسيج الوطنى عاملة على تفتيته، واستخدامه ضدّ نفسه، فتختلط الأوراق ويصبح المواطن أداة فعالة فى تدمير وطنه، وهو المطلوب تحقيقه.