رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

 

مرت ذكرى اغتيال الدكتور فرج فودة كسحابة صيف. لا احتفاء ولا احتفال، لا رسمي ولا غير رسمي. لا الدولة تبنت مشروعاً لطباعة ونشر مؤلفاته وتدريسها للأجيال الصاعدة، ولا النخبة والأحزاب أعادت بث مشروعه الفكري بما يحمل من سبق مستقبلي، وجدل منطقي، وقدرة مذهلة على قراءة الغد.

فرج فودة قاتل بالكلمة جحافل الجهل وعصابات الدم. وقف وحيداً في العراء يكتب ويحذر ويحلل ويرد على جماعات الإتجار بالدين، راسماً درب التحرر من التعصب، وفاتحاً نوافذ الأمل في أجيال جديدة.

كتب كلمات مازالت خالدة حول انتهازية المتأسلمين، وبذور الشر في رفع لافتات السماء للسيطرة على الأرض، فكان مصيره رصاصات غادرة اخترقت جسده ساحبة روحه نحو عالم الخلود.

في يونيو 1992 أطلق شابان ينتميان إلى الجماعة الإسلامية الرصاص على الرجل، وقبض على أحدهم وهرب الآخر ليشارك بعد بضعة أسابيع في محاولة اغتيال صفوت الشريف ليقبض عليه بعدها.

وقف القاتل أمام المحقق مسئولاً عن سبب قتله، فرد لأنه مرتد. «لِم؟». رد الإرهابي «لأنه ينشر كتباً تحض على الإلحاد». سأله المحقق مرة أخرى «هل قرأت كتبه؟»، فأجاب «لا. ولكن أمير الجماعة قرأ وأفتى».

كان فرج فودة نموذجاً للعقل المستنير الرافض لديماجوجية المجتمع. العنف في تصوره هو العنف أياً كان اتجاهه، والإرهاب هو الإرهاب أياً كان مصدره.

عندما قتل مهووس جاهل يدعى سليمان خاطر سياحاً إسرائيليين من بينهم نساء وأطفال في طابا واحتفى به الناصريون والمهللون، كان «فودة» وحده مَن يدين الفعل ويرفض البطولات الكاذبة ويعتبر الجريمة فعل خِسة وعار.

وعندما ضبطت الأجهزة الأمنية تنظيماً دموياً باسم «ثورة مصر» مهمته قتل الدبلوماسيين الأمريكيين والإسرائيليين في القاهرة، واعتبر الغوغاء ذلك بطولة، انتفض «فودة» مبدداً لمنطق الغدر والانحطاط الحاكم للعقل العربي المنتشي بقتل موظفي دولة أجنبية.

اعتبر فرج فودة أن الإسلام على مفترق طرق. طريق الدم نتيجة للجهل وضيق الأفق ولانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق النور، حيث يمكن أن يلتقي العصر والإسلام، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير، والقياس الشجاع والأفق المتنور.

في تصوره فإن «آفة حياتنا السياسية أننا لا نسمي الأشياء بأسمائها. ولهذا فقد اكتنف تعريف العلمانية في مصر الضباب والغموض، مما ساعد أنصار الدولة الدينية على إشاعة أنها «مفهوم إلحادي دخيل» يتراوح بين الكفر الضمني إلى الردة التي لا شبهة فيها. وفي المقابل، فقد تراجع أنصار الدولة المدنية- من الحزب الحاكم أو المعارضة المدنية- عن إعلان اللفظ أو التمسك به، إما تخوفاً أو طمعاً في الأصوات الانتخابية».

وهكذا «نجد أقواماً يخيرون الشعب بين الإسلام والعلمانية، وكأنهما طرفا نقيض، أو كأن المسلم لا يكون علمانياً، وأن العلماني ليس مسلماً».

ويرى فرج فودة أن تنامي الإسلام السياسي كان نتيجة لأزمة الديمقراطية التي تعيشها المنطقة منذ منتصف القرن العشرين.

لم يعش «فودة» زمن «بن لادن»، و«الظواهري»، و11 سبتمبر، وتمدد «القاعدة»، و«البغدادي» ومذابح «داعش». لم يعاصر تشرذم ليبيا، وتناثر الدم في سوريا، وقتل المصلين في سيناء لكنه كتب متنبئًا بكل ذلك كأنه يراه.

فما أحوجنا لرد الاعتبار للرجل المثابر الجرئ في زمن صار فيه السلم أن تصمت.

اقرأوا ما كتب وانشروه.

والله أعلم.

 

 

[email protected]