رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

من عجائب السياسة الدولية ومفارقاتها ذلك التحول في صورة كوريا الشمالية ورئيسها كيم جونغ أون من زعيم دولة تمثل محور الشر في منظور الولايات المتحدة إلى رئيس لدولة يحسده نظيره الأمريكي ترامب متمنيا أن يكون لديه فريق عمل كذلك الذي لدى كيم. ليس ذلك فقط بل الملفت للنظر كذلك تغير كيمياء العلاقة، حسب تصريحات لترامب، إلى ما وصفه بـ «الكيمياء الجيدة».

 هذا تحول يكشف بشكل سافر عن أكاذيب وألاعيب السياسة، والخداع الذي يمارسه القادة على الجماهير من أجل السيطرة على أدمغتهم بمفاهيم لا تستهدف في النهاية سوى تحقيق ما يرونه أهدافا لهم تخدم سواء مصلحتهم الضيقة أو ما يتصورون أنه المصلحة القومية.

وعلى ذلك فإن المتابع عن قريب لمجريات السياسة الدولية قد يصاب بقدر من الدهشة من خروج كوريا الشمالية بين عشية وضحاها من كونها في عداد دول محور الشر لتكون مرشحة ضمن دول «محور الخير». ليس ذلك فقط بل إن اتهامات الديكتاتورية والاستبداد التي كان يوصف بها نظام بيونج يانج قد توارت في خلفية المشهد، وأصبح المهم هو نمط سلوك كوريا الشمالية بشأن مجموعة من قضايا علاقاتها الخارجية سواء مع جارتها الجنوبية أو صيغة ونمط وجودها في إطار النظام الدولي. وهو رغم أنه سلوك أمريكي معتاد مع عدد من الدول خاصة في الشرق الأوسط، إلا أنه يبدو بالغ الوضوح بشأن كوريا الشمالية في ضوء عمق حالة العداء معها والتي امتدت لعقود وانعكست في مواقف صريحة معادية لنظامها.

إن ذلك التحول يكشف ببساطة عما يمكن وصفه بالتوظيف السياسي الفج لمفهوم الشر، وهو مفهوم أخلاقي قيمي، في سياق العملية السياسية الدولية، وأحيانا المحلية، لتسويق رؤى معينة تستهدف في التحليل النهائي النيل من الخصم من خلال شيطنته لتحقيق أكبر قدر من العزوف عنه من قبل المتعاطفين معه أو على الأقل تشويه موقفه والضغط عليه في أي عملية تفاوضية محتملة، لتطويعه وإخضاع إرادته في النهاية!

وإذا كانت نماذج هذا التوظيف عديدة وتتوزع بين دول مختلفة، فإنه يمكن القول إن الولايات المتحدة تعتبر رائدة في هذا المجال، فقد كان الرئيس الأمريكي الراحل ريجان في عقد الثمانينيات أول من استخدم المفهوم رابطا إياه بوصف الإمبراطورية مستخدما تعبير «إمبراطورية الشر» في إشارة إلى الاتحاد السوفيتي قبل تفككه. وقد كان لهذه العبارة، من واقع تحليل أوضاع تلك الفترة، وظيفة معينة هي تسويق مشروع حرب النجوم وتحقيق قدر من التفوق الأمريكي على الخصم السوفيتي في الميدان العسكري.

فيما قدم الرئيس بوش الابن صياغة مختلفة للمفهوم في سياق توظيفه سياسيا باستخدام عبارة «محور الشر» وهي العبارة التي نطق بها في خطاب له عام 2002 مدرجًا في إطاره العراق وإيران وكوريا الشمالية، وكان مبرره في ذلك هو سعي هذه الدول، حسب تصريحاته، لشراء أسلحة الدمار الشامل، وهو المبرر الذي اتخذ منه مقدمة لشن ما أسماه فيما بعد الحرب على الإرهاب.

ولعل مما يعزز الفكرة التي نشير إليها بشأن التوظيف السياسي للمفهوم تغير محتوى محور الشر ذاك حسب المصالح الأمريكية، فقد ضم حينا ليبيا إلى جانب إيران ، وفي بعض الأحيان سوريا، بل إن الصومال دخلت في المنظومة وكوبا وكذلك حماس. وحسب ملحوظة البعض فإن التصنيف شمل أكراد حزب العمال الكردي ولم يشمل أكراد حزب الاتحاد الكردي الذين يتمتعون بدعم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وهو تصنيف يكشف عن أن من يدخل في محور الشر هم خصوم الولايات المتحدة، وأنه بزوال حالة العداء بدخول الخصم في الحظيرة الأمريكية، يحدث تحول في طبيعته الشريرة إلى أخرى خيرة. وعلى ذلك فالقاعدة التي يمكن التأكيد على أنها تحكم مثل هذا التصنيف هو مدى التداخل أو التناقض مع السياسات الأمريكية، وأن التحول قائم ويرتبط بتطويع إرادة الطرف المنافس أو العدو وتخليه عما يمكن أن يمثل تهديدًا او تقويضًا للمصالح الأمريكية.

ومؤدى ما سبق أن الدول يحكمها بالأساس اعتبارات ما تراه مصلحتها القومية وأنه لا مجال لإدخال المنظومة القيمية باعتبارها معيارًا لسلوك الدولة، فالخير أو الشر ليس من محددات السياسة الدولية، أو حتى المحلية، فهذه القيم محددة للسلوك الشخصي أو المجتمعي، وهو أمر مستقر عليه منذ فجر التاريخ، أو منذ أن قتل قابيل هابيل لنوازع شريرة. أما غير ذلك من أحداث على مستوى الدول فلا يدخل الشر أو الخير في تفسيرها، فالحملات الصليبية مثلا لم تتم من أجل الخير والقضاء على الشر الذي يمثله العالم الإسلامي آنذاك، وإنما ارتبطت بأهداف سياسية أخرى.

بهذا الفهم ينبغي التعامل مع ما يعرضه علينا التاريخ أو الواقع من أحداث وتطورات، ولعل في ترديد ما يتنافى مع هذه الرؤية ما يمثل ابتزازًا لمشاعر الجماهير وطبيعتها العاطفية، واللعب على مشاعرها الدينية باعتبار أن الشر مرتبط بالشيطان، وبالطبع فإن من يحارب قوى الشر أو محوره هم قوى الخير ومحوره، وهو ما يمثل نوعًا من الخلط واستدعاء للدين في غير مجاله، ينبغي على مستخدميه الحذر من أن يرتد إليهم!!

[email protected]